للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَلِكَ مِمَّنْ حَضَرَهُ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ Object بَعْدُ، وَلوْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي رِوَايَتِهَا لَقَدَحَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ أَيْضًا، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ Object قَالَ اللَّفْظَيْنِ مَعًا؛ فَإِنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَالْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَى لَا يَسْمَعُونَ بِلَا شَكٍّ، لَكِنْ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِسْمَاعَ مَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ السَّمَاعُ لَمْ يَمْتَنِعْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ﴾ الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ الْآيَةَ. وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي قَوْلُ قَتَادَةَ: إِنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُمْ حَتَّى سَمِعُوا كَلَامَ نَبِيِّهِ تَوْبِيخًا وَنِقْمَةً. انْتَهَى.

وَقَدْ أَخَذَ ابْنُ جَرِيرٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ يَقَعُ عَلَى الْبَدَنِ فَقَطْ، وَأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ إِدْرَاكًا بِحَيْثُ يَسْمَعُ وَيَعْلَمُ وَيَلَذُّ وَيَأْلَمُ. وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى أَنَّ السُّؤَالَ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ إِلَى الْجَسَدِ، وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ، فَقَالُوا: تُعَادُ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ أَوْ بَعْضِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَدَنِ بِذَلِكَ اخْتِصَاصٌ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْمَيِّتِ قَدْ تَتَفَرَّقُ أَجْزَاؤُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ أَنْ يُعِيدَ الْحَيَاةَ إِلَى جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ، وَيَقَعُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُ. وَالْحَامِلُ لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ السُّؤَالَ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ، أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ يُشَاهَدُ فِي قَبْرِهِ حَالَ الْمَسْأَلَةِ لَا أَثَرَ فِيهِ مِنَ إِقْعَادٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا ضِيقٍ فِي قَبْرِهِ وَلَا سَعَةٍ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمَقْبُورِ كَالْمَصْلُوبِ. وَجَوَابُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فِي الْقُدْرَةِ، بَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ النَّائِمُ؛ فَإِنَّهُ يَجِدُ لَذَّةً وَأَلَمًا لَا يُدْرِكُهُ جَلِيسُهُ، بَلِ الْيَقْظَانُ قَدْ يُدْرِكُ أَلَمًا أَوْ لَذَّةً لِمَا يَسْمَعُهُ أَوْ يُفَكِّرُ فِيهِ وَلَا يُدْرِكُ ذَلِكَ جَلِيسُهُ، وَإِنَّمَا أَتَى الْغَلَطُ مِنْ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ، وَأَحْوَالِ مَا بَعْدِ الْمَوْتِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَفَ أَبْصَارَ الْعِبَادِ وَأَسْمَاعَهُمْ عَنْ مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ، وَسَتَرَهُ عَنْهُمُ إِبْقَاءً عَلَيْهِمْ؛ لِئَلَّا يَتَدَافَنُوا، وَلَيْسَتْ لِلْجَوَارِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ قُدْرَةٌ عَلَى إِدْرَاكِ أُمُورِ الْمَلَكُوتِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَقَوْلِهِ: إِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ. وَقَوْلِهِ: تَخْتَلِفُ أَضْلَاعُهُ لِضَمَّةِ الْقَبْرِ. وَقَوْلِهِ: يَسْمَعُ صَوْتَهُ إِذَا ضَرَبَهُ بِالْمِطْرَاقِ. وَقَوْلِهِ: يُضْرَبُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ. وَقَوْلِهِ: فَيُقْعِدَانِهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَادِ. وَذَهَبَ أَبُو الْهُذَيْلِ وَمَنْ تَبِعَهُ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَشْعُرُ بِالتَّعْذِيبِ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَّا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، قَالُوا: وَحَالُهُ كَحَالِ النَّائِمِ وَالْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ لَا يُحِسُّ بِالضَّرْبِ وَلَا بِغَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ، وَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ فِي السُّؤَالِ حَالَةَ تَوَلِّي أَصْحَابِ الْمَيِّتِ عَنْهُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ.

(تَنْبِيهٌ): وَجْهُ إِدْخَالِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَمَا عَارَضَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي تَرْجَمَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ، أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ مِنْ سَمَاعِ أَهْلِ الْقَلِيبِ وَتَوْبِيخِهِ لَهُمْ دَلَّ إِدْرَاكُهُمُ الْكَلَامَ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ عَلَى جَوَازِ إِدْرَاكِهِمْ أَلَمَ الْعَذَابِ بِبَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ بَلْ بِالذَّاتِ، إِذِ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ بِحَمْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ مُخَاطَبَةَ أَهْلِ الْقَلِيبِ وَقَعَتْ وَقْتَ الْمَسْأَلَةِ، وَحِينَئِذٍ كَانَتِ الرُّوحُ قَدْ أُعِيدَتْ إِلَى الْجَسَدِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى أَنَّ الْكَافِرَ الْمَسْئُولَ يُعَذَّبُ، وَأَمَّا إِنْكَارُ عَائِشَةَ فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ وَقْتِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَتَّفِقُ الْخَبَرَانِ. وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ وَجْهُ إِدْخَالِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

رَابِعُ أَحَادِيثِ الْبَابِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِيَّةِ:

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ الْأَشْعَثَ) هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ سَلِيمُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْمُحَارِبِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) فِي رِوَايِةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَشْعَثَ: سَمِعْتُ أَبِي.

قَوْلُهُ: (أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الدَّعَوَاتِ: دَخَلَتْ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَتَا: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ إِحْدَاهُمَا تَكَلَّمَتْ وَأَقَرَّتْهَا الْأُخْرَى عَلَى ذَلِكَ فَنَسَبَتِ الْقَوْلَ إِلَيْهِمَا مَجَازًا، وَالْإِفْرَادُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَكَلِّمَةِ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ: فَكَذَبْتُهُمَا وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَهِيَ