للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَتَبِعَهَا مَا يَلِيهَا إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ أَيْضًا إِلَى الْأُولَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ فِي الْغَنَمِ: (تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا) بِكَسْرِ الطَّاءِ مِنْ تَنْطِحُهُ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ. زَادَ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ الْمَذْكُورَةِ: لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ وَلَا عَضْبَاءُ، تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا. وَزَادَ فِيهِ ذِكْرُ الْبَقَرِ أَيْضًا، وَذُكِرَ فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مَا ذُكِرَ فِي الْإِبِلِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْبَقَرِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، أَيْ: لِمَنْ يَحْضُرُهَا مِنَ الْمَسَاكِينِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْحَلْبَ بِمَوْضِعِ الْمَاءِ؛ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَى الْمُحْتَاجِ مِنْ قَصْدِ الْمَنَازِلِ وَأَرْفَقَ بِالْمَاشِيَةِ. وَذَكَرَهُ الدَّاوُدِيُّ بِالْجِيمِ، وَفَسَّرَهُ بِالْإِحْضَارِ إِلَى الْمُصَدِّقِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دِحْيَةَ، وَجَزَمَ بِأَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُمَرَ الْغُدَانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مَرْفُوعَةٌ، وَلَفْظُهُ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّهَا؟ قَالَ: إِطْرَاقُ فَحْلِهَا، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا وَمِنْحَتِهَا، وَحَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ، وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الشِّرْبِ هَذِهِ الْقِطْعَةُ وَحْدَهَا مَرْفُوعَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَأْتِي أَحَدُكُمْ) فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ شُعَيْبٍ: أَلَا لَا يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ وَهَذَا حَدِيثٌ آخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِالْغُلُولِ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ مُفْرَدًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَهَا يُعَارُ بِتَحْتَانِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ، ثُمَّ مُهْمَلَةٍ: صَوْتُ الْمَعْزِ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، والْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا: ثُغَاءٌ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ، ثُمَّ مُعْجَمَةٌ بِغَيْرِ رَاءٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ التِّينِ، وَهُوَ صِيَاحُ الْغَنَمِ. وَحَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنِ الْقَزَّازِ أَنَّهُ رَوَاهُ تُعَارُ بِمُثَنَّاةٍ وَمُهْمَلَةٍ، ولَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَوْلُهُ: رُغَاءٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَمُعْجَمَةٍ: صَوْتُ الْإِبِلِ، وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْبَهَائِمَ؛ لِيُعَاقِبَ بِهَا مَانِعَ الزَّكَاةِ. وَفِي ذَلِكَ مُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَنْعَ حَقِّ اللَّهِ مِنْهَا، وَهُوَ الِارْتِفَاقُ وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْهَا، فَكَانَ مَا قَصَدَ الِانْتِفَاعَ بِهِ أَضَرُّ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ. وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهَا تُعَادُ كُلُّهَا مَعَ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي جَمِيعِ الْمَالِ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ، وَلِأَنَّ الْمَالَ لَمَّا لَمْ تَخْرُجْ زَكَاتُهُ غَيْرُ مُطَهَّرٍ، وَفِيهِ أَنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ، وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ كَانَ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْكَنْزِ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ فَرْضَ الزَّكَاةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.

ثَانِي الْأَجْوِبَةِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ الْقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى الْوَاجِبِ وَلَا عِقَابَ بِتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ اسْتِطْرَادًا، لَمَّا ذُكِرَ حَقُّهَا بَيْنَ الْكَمَالِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ يَزُولُ الذَّمُّ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الزَّكَاةُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ مَا إِذَا كَانَ هُنَاكَ مُضْطَرٌّ إِلَى شُرْبِ لَبَنِهَا فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ. وَقَالَ ابنُ بَطَّالٍ: فِي الْمَالِ حَقَّانِ فَرْضُ عَيْنٍ وَغَيْرُهُ، فَالْحَلْبُ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

(تَنْبِيهٌ): زَادَ النَّسَائِيُّ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَيَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعُ يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَيَطْلُبهُ: أَنَا كَنْزُكَ، فَلَا يَزَالُ حَتَّى يُلْقِمَهُ إِصْبَعَهُ. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ قَدْ أَفْرَدَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهَا كَمَا قَدَّمْنَا إِلَى قَوْلِهِ: أَقْرَعُ وَلَمْ يَذْكُرْ بَقِيَّتَهُ، وَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِطَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) كَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَتَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسَاقَهُ مُطَوَّلًا، وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَلْيَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، لَكِنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَخَالَفَهُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرَجَّحَهُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَطَأٌ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَصْلًا. انْتَهَى. وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ شَيْخَانِ؟ نَعَمِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ الْعَزِيزِ