للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُنِيرِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى جَوَازِ إِنْفَاقِ جَمِيعِ الْمَالِ وَبَذْلِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْخُرُوجِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، مَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى حِرْمَانِ الْوَارِثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ.

٦ - بَاب الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ

لِقَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى﴾ - إِلَى قَوْلِهِ -: ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿صَلْدًا﴾: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ ﴿وَابِلٌ﴾: مَطَرٌ شَدِيدٌ، وَالطَّلُّ: النَّدَى.

قَوْلُهُ: (بَابُ الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إِبْطَالَ الرِّيَاءِ لِلصَّدَقَةِ، فَيُحْمَلُ عَلَى مَا تَمَحَّضَ مِنْهَا لِحُبِّ الْمَحْمَدَةِ وَالثَّنَاءِ مِنَ الْخَلْقِ، بِحَيْثُ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهَا.

قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى﴾ - إِلَى قَوْلِهِ -: ﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَبَّهَ مُقَارَنَةَ الْمَنِّ وَالْأَذَى لِلصَّدَقَةِ أَوِ اتِّبَاعِهَا بِذَلِكَ بِإِنْفَاقِ الْكَافِرِ الْمُرَائِي الَّذِي لَا يَجِدُ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْئًا مِنْهُ، وَمُقَارَنَةُ الرِّيَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِ لِصَدَقَتِهِ أَقْبَحُ مِنْ مُقَارَنَةِ الْإِيذَاءِ، وَأَوْلَى أَنْ يُشَبَّهَ بِإِنْفَاقِ الْكَافِرِ الْمُرَائِي فِي إِبْطَالِ إِنْفَاقِهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَلَى الْآيَةِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ أَخْفَى مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، لِأَنَّ الْخَفِيَّ رُبَّمَا شُبِّهَ بِالظَّاهِرِ لِيَخْرُجَ مِنْ حَيِّزِ الْخَفَاءِ إِلَى الظُّهُورِ. وَلَمَّا كَانَ الْإِنْفَاقُ رِيَاءً مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ ظَاهِرًا فِي إِبْطَالِ الصَّدَقَةِ شُبِّهَ بِهِ الْإِبْطَالُ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى، أَيْ حَالَةُ هَؤُلَاءِ فِي الْإِبْطَالِ كَحَالَةِ هَؤُلَاءِ، هَذَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَاعَى حَالُ التَّفْصِيلِ أَيْضًا لِأَنَّ حَالَ الْمَانِّ شَبِيهٌ بِحَالِ الْمُرَائِي، لِأَنَّهُ لَمَّا مَنَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَجْهَ اللَّهِ، وَحَالُ الْمُؤْذِي يُشْبِهُ حَالَ الْفَاقِدِ لِلْإِيمَانِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، لِأَنَّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ لِلْمُؤْذِي نَاصِرًا يَنْصُرُهُ لَمْ يُؤْذِهِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ حَالَةَ الْمُرَائِي أَشَدُّ مِنْ حَالَةِ الْمَانِّ وَالْمُؤْذِي. انْتَهَى. وَيَتَلَخَّصُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى مِنَ الْمُشَبَّهِ، وَإِبْطَالُ الصَّدَقَةِ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى قَدْ شُبِّهَ بِإِبْطَالِهَا بِالرِّيَاءِ فِيهَا كَانَ أَمْرُ الرِّيَاءِ أَشَدَّ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلْدًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) وَصَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَكَذَا فِي قَوْلِهِ: ﴿فَتَرَكَهُ صَلْدًا﴾ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَعْمَالِ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: ﴿لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا﴾ يَوْمَئِذٍ كَمَا تَرَكَ هَذَا الْمَطَرُ الصَّفَا نَقِيًّا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمِنْ طَرِيقِ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ نَحْوَهُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَابِلٌ مَطَرٌ شَدِيدٌ، وَالطَّلُّ النَّدَى) وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بِنِ غِيَاثٍ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ: وَابِلٌ، قَالَ: مَطَرٌ شَدِيدٌ، وَالطَّلُّ: النَّدَى.

٧ - بَاب لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ

لِقَوْلِهِ: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾

٨ - باب الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لِقَوْلِهِ [البقرة ٢٧٦ - ٢٧٧]: