للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ الرَّدِّ، قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مَا مُلَخَّصُهُ: مَقْصُودُهُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ الْحَثُّ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ التَّسْوِيفِ بِالصَّدَقَةِ، لِمَا فِي الْمُسَارَعَةِ إِلَيْهَا مِنْ تَحْصِيلِ النُّمُوِّ الْمَذْكُورِ. قِيلَ: لِأَنَّ التَّسْوِيفَ بِهَا قَدْ يَكُونُ ذَرِيعَةً إِلَى عَدَمِ الْقَابِلِ لَهَا إِذْ لَا يَتِمُّ مَقْصُودُ الصَّدَقَةِ إِلَّا بِمُصَادَفَةِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا، وَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ أَنَّهُ سَيَقَعُ فَقْدُ الْفُقَرَاءِ الْمُحْتَاجِينَ إِلَى الصَّدَقَةِ بِأَنْ يُخْرِجَ الْغَنِيُّ صَدَقَتَهُ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ مَنْ أَخْرَجَ صَدَقَتَهُ مُثَابٌ عَلَى نِيَّتِهِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُهَا، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَاجِدَ يُثَابُ ثَوَابَ الْمُجَازَاةِ وَالْفَضْلِ، وَالنَّاوِي يُثَابُ ثَوَابَ الْفَضْلِ فَقَطْ، وَالْأَوَّلُ أَرْبَحُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ فِي كُلٍّ مِنْهَا الْإِنْذَارُ بِوُقُوعِ فِقْدَانِ مَنْ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ.

أَوَّلَهُا حَدِيثُ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ، وَهُوَ الْخُزَاعِيُّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ) سَيَأْتِي بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ - مِنْ وَجْهٍ آخَرَ - بِلَفْظِ: فَسَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (يَقُولُ الرَّجُلُ) أَيِ الَّذِي يُرِيدُ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا.

قَوْلُهُ: (فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِيهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي زَمَنِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَفَيْضِهِ قُرْبَ السَّاعَةِ كَمَا قَالَ ابنُ بَطَّالٍ، وَمِنْ ثَمَّ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ بَيِّنٌ مِنْ سِيَاقِ

١٤١٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ، فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لَا أَرَبَ لِي.

حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ، وَقَدْ سَاقَهُ فِي الْفِتَنِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ هُنَا مُطَوَّلًا، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يَهُمَّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْهَاءِ، وَ (رَبَّ الْمَالِ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَفَاعِلُهُ قَوْلُهُ: (مَنْ يَقْبَلُهُ) يُقَالُ: هَمَّهُ الشَّيْءُ أَحْزَنَهُ. وَيُرْوَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ، يُقَالُ: أَهَمَّهُ الْأَمْرُ أَقْلَقَهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ، أَشْهَرُهُمَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَرَبُّ الْمَالِ مَفْعُولٌ، وَالْفَاعِلُ مَنْ يَقْبَلُ أَيْ: يُحْزِنُهُ، وَالثَّانِي بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْهَاءِ، وَرَبُّ الْمَالِ فَاعِلٌ، وَمَنْ مَفْعُولٌ أَيْ يَقْصُدُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (لَا أَرَبَ لِي) زَادَ فِي الْفِتَنِ: بِهِ، أَيْ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِ لِاسْتِغْنَائِي عَنْهُ.

ثَالِثُهَا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى. وَشَاهِدُهُ هُنَا قَوْلُهُ فِيهِ: (فَإِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمُشْعِرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْآتِي بَعْدَهُ مُشْعِرٌ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَقَدْ أَشَارَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ - كَمَا سَيَأْتِي فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ - إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي زَمَانِهِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ أَمْرِ الْفُتُوحِ، فَانْتَفَى قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: إِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ عِيسَى حِينَ تُخْرِجُ الْأَرْضُ بَرَكَاتِهَا حَتَّى تُشْبِعَ الرُّمَّانَةُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ كَافِرٌ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى اتِّقَاءِ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

رَابِعُهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى: قَوْلُهُ: (مِنَ الذَّهَبِ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ مُبَالَغَةً فِي عَدَمِ مَنْ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: يَطُوفُ ثُمَّ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا وَقَوْلُهُ: (وَيَرَى الرَّجُلَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ رَفْعِ الْعِلْمِ مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ.

١٠ - بَاب اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، وَالْقَلِيلِ مِنْ الصَّدَقَةِ ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾

١٤١٥ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ -، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرَاءٍ، وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا، فَنَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ﴾ الْآيَةَ.