للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نَظَرٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَعَ تَفْسِيرُ الْيَدِ الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، وَهُوَ نَصٌّ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَدْفَعُ تَعَسُّفَ مَنْ تَعَسَّفَ فِي تَأْوِيلِهِ ذَلِكَ. انْتَهَى. لَكِنِ ادَّعَى أَبُو الْعَبَّاسِ الدَّانِيُّ فِي أَطْرَافِ الْمُوَطَّأِ أَنَّ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدًا لِذَلِكَ. ثُمَّ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ الْعَسْكَرِيِّ فِي الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادٍ لَهُ فِيهِ انْقِطَاعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَلَا أَحْسَبُ الْيَدَ السُّفْلَى إِلَّا السَّائِلَةَ، وَلَا الْعُلْيَا إِلَّا الْمُعْطِيَةَ. فَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ.

قَوْلُهُ: (وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلَةَ) كَذَا لِلْبُخَارِيِّ بِالْوَاوِ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ مَالِكٍ: وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالتَّعَفُّفَ مِنْهَا أَيْ: مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَحُضُّ الْغَنِيَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْفَقِيرَ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ يَحُضُّهُ عَلَى التَّعَفُّفِ وَيَذُمُّ الْمَسْأَلَةَ.

قَوْلُهُ: (فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْأَكْثَرُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: الْمُنْفِقَةُ، وَقَالَ وَاحِدٌ عَنْهُ: الْمُتَعَفِّفَةُ، وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ. انْتَهَى. فَأَمَّا الَّذِي قَالَ عَنْ حَمَّادٍ: الْمُتَعَفِّفَةُ بِالْعَيْنِ وَفَاءَيْنِ، فَهُوَ مُسَدَّدٌ، كَذَلِكَ رُوِّينَاهُ عَنْهُ فِي مُسْنَدِهِ رِوَايَةَ مُعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْهُ، وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ كَمَا رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لِيُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ. وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَارِثِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا مَوْصُولَةً. وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادٍ بِلَفْظِ: وَالْيَدُ الْعُلْيَا يَدُ الْمُعْطِي. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: الْمُتَعَفِّفَةُ فَقَدْ صَحَّفَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَقَالَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْهُ الْمُنْفِقَةُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. قُلْتُ: وَكَذَلِكَ قَالَ فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْهُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ، قَالَ: وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى فَقَالَ: الْمُنْفِقَةُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رِوَايَةُ مَالِكٍ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِالْأُصُولِ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا النَّبِيُّ ﷺ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَهُوَ يَقُولُ: يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا. انْتَهَى. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَهْدَمٍ مِثْلُهُ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ يَدِ الْمُعْطِي، وَيَدُ الْمُعْطِي فَوْقَ يَدِ الْمُعْطَى، وَيَدُ الْمُعْطَى أَسْفَلُ الْأَيْدِي. وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ الْجُذَامِيِّ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا: الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ: فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا، وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى. وَلِأَحْمَدَ، وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ: الْيَدُ الْمُعْطِيَةُ هِيَ الْعُلْيَا، وَالسَّائِلَةُ هِيَ السُّفْلَى. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَضَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ الْمُعْطِيَةُ، وَأَنَّ السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: الْيَدُ السُّفْلَى الْآخِذَةُ سَوَاءٌ كَانَ بِسُؤَالٍ أَمْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ، وَهَذَا أَبَاهُ قَوْمٌ، وَاسْتَنَدُوا إِلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ قَبْلَ يَدِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ السُّفْلَى يَدُ السَّائِلِ، وَأَمَّا يَدُ الْآخِذِ فَلَا، لِأَنَّ يَدَ اللَّهِ هِيَ الْمُعْطِيَةُ، وَيَدَ اللَّهِ هِيَ الْآخِذَةُ، وَكِلْتَاهُمَا عُلْيَا وَكِلْتَاهُمَا يَمِينٌ. انْتَهَى.

وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْبَحْثَ إِنَّمَا هُوَ فِي أَيْدِي الْآدَمِيِّينَ، وَأَمَّا يَدُ اللَّهِ تَعَالَى فَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَالِكَ كُلِّ شَيْءٍ نُسِبَتْ يَدُهُ إِلَى الْإِعْطَاءِ، وَبِاعْتِبَارِ قَبُولِهِ لِلصَّدَقَةِ وَرِضَاهُ بِهَا نُسِبَتْ يَدُهُ إِلَى الْأَخْذِ، وَيَدُهُ الْعُلْيَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا يَدُ الْآدَمِيِّ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ: يَدُ الْمُعْطِي، وَقَدْ تَضَافَرَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّهَا عُلْيَا. ثَانِيهَا يَدُ السَّائِلِ، وَقَدْ تَضَافَرَتِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّهَا سُفْلَى سَوَاءٌ أَخَذَتْ أَمْ لَا، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِكَيْفِيَّةِ الْإِعْطَاءِ وَالْأَخْذِ غَالِبًا، وَلِلْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُمَا. ثَالِثُهَا يَدُ