للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ لِي النَّبِيُّ Object لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ.

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدَةَ، وَقَالَ: لَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ.

[الحديث ١٤٣٣ - أطرافه في: ١٤٣٤، ٢٥٩٠، ٢٥٩١]

قَوْلُهُ: (بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ يَجْتَمِعُ التَّحْرِيضُ وَالشَّفَاعَةُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِيصَالُ الرَّاحَةِ لِلْمُحْتَاجِ، وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ التَّحْرِيضَ مَعْنَاهُ التَّرْغِيبُ بِذِكْرِ مَا فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْأَجْرِ، وَالشَّفَاعَةُ فِيهَا مَعْنَى السُّؤَالِ وَالتَّقَاضِي لِلْإِجَابَةِ. انْتَهَى. وَيَفْتَرِقَانِ بِأَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي خَيْرٍ، بِخِلَافِ التَّحْرِيضِ، وَبِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ تَحْرِيضٍ.

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: أَوَّلَهَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَحْرِيضِ النِّسَاءِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا فِي الْعِيدَيْنِ. وَقَوْلُهُ هُنَا: عَنْ عَدِيٍّ هُوَ ابْنُ ثَابِتٍ، وَقَوْلُهُ الْقُلْبُ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ، آخِرُهَا مُوَحَّدَةٌ هُوَ السُّوَارُ، وَقِيلَ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا كَانَ مِنْ عَظْمٍ. وَالْخُرْصُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ هِيَ الْحَلْقَةُ.

ثَانِيَهَا حَدِيثَ أَبِي مُوسَى: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا. وقَدْ أُورِدَ فِي بَابِ الشَّفَاعَةِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَعَبْدُ الْوَاحِدِ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ، قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: الْمَعْنَى اشْفَعُوا يَحْصُلْ لَكُمُ الْأَجْرُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قُضِيَتِ الْحَاجَةُ أَوْ لَا.

ثَالِثَهَا حَدِيثُ أَسْمَاءَ، وَهِيَ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكَ. كَذَا عِنْدَهُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْفَاعِلَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: لَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عَلَيْكَ. فَأَبْرَزَ الْفَاعِلَ، وَكِلَاهُمَا بِالنَّصْبِ لِكَوْنِهِ جَوَابَ النَّهْيِ وَبِالْفَاءِ.

قَوْلُهُ: (عَبْدَةَ) هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ، وَهِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ، وَفَاطِمَةُ هِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهِيَ زَوْجُ هِشَامٍ، وَأَسْمَاءُ جَدَّتُهُمَا لِأَبَوَيْهِمَا. وَقَوْلُهُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ عَبْدَةَ أَيْ: بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ كَانَ عِنْدَ عَبْدَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِاللَّفْظَيْنِ، فَحَدَّثَ بِهِ تَارَةً هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِاللَّفْظَيْنِ مَعًا، وَسَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ بِاللَّفْظَيْنِ، لَكِنْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الْكَافَ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، يُقَالُ: أَوْعَيْتُ الْمَتَاعَ فِي الْوِعَاءِ أُوعِيهِ؛ إِذَا جَعَلْتُهُ فِيهِ، وَوَعَيْتُ الشَّيْءَ حَفِظْتُهُ، وَإِسْنَادُ الْوَعْيِ إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ عَنِ الْإِمْسَاكِ (١)، وَالْإِيكَاءُ شَدُّ رَأْسِ الْوِعَاءِ بِالْوِكَاءِ، وَهُوَ الرِّبَاطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ، وَالْإِحْصَاءُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الشَّيْءِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ، وَالْمَعْنَى النَّهْيُ عَنْ مَنْعِ الصَّدَقَةِ خَشْيَةَ النَّفَاذِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ لِقَطْعِ مَادَّةِ الْبَرَكَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَى الْعَطَاءِ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَمَنْ لَا يُحَاسَبُ عِنْدَ الْجَزَاءِ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَطَاءِ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ فَحَقُّهُ أَنْ يُعْطِيَ وَلَا يَحْسِبَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِحْصَاءِ عَدُّ الشَّيْءِ لِأَنْ يُدَّخَرَ وَلَا يُنْفَقَ مِنْهُ، وَأَحْصَاهُ اللَّهُ: قَطَعَ الْبَرَكَةَ عَنْهُ، أَوْ حَبَسَ مَادَّةَ الرِّزْقِ أَوِ الْمُحَاسَبَةَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ. وَسَيَأْتِي ذِكْرُ سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: قَدْ تَخْفَى مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ أَسْمَاءَ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَلَيْسَ بِخَافٍ عَلَى الْفَطِنِ مَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّحْرِيضِ وَالشَّفَاعَةِ مَعًا، فَإِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ فِي خَتْمِ الْبَابِ بِهِ.


(١) هذا خطأ لا يليق من الشارح والصواب إثباب وصف الله بذلك حقيقة، على الوجه اللائق به سبحانه كسائر الصفات. وهو سبحانه يجازي العامل بمثل عمله، فمن مكر مكر به ومن خادع خدمه، وهكذا من أوعى أوعى الله عليه. وهذا قول أهل السنة والجماعة فالزمه تفز بالنجاة والسلامة. والله الموفق