للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ.

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا كَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. قَالَ: وَوَسَّعَ قَوْمٌ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: إِذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ غَنِيًّا بِالدِّرْهَمِ مَعَ الْكَسْبِ، وَلَا يُغْنِيهِ الْأَلْفُ مَعَ ضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ أُخْرَى: أَحَدُهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّ الْغَنِيَّ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَعْثِ مُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ لَهُ: تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ. فَوَصَفَ مَنْ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهُ بِالْغِنَى، وَقَدْ قَالَ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ.

ثَانِيهَا: أَنَّ حَدَّهُ مَنْ وَجَدَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ، عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَجْهُهُ مَنْ لَا يَجِدُ غَدَاءً وَلَا عَشَاءً عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ.

ثَالِثُهَا: أَنَّ حَدَّهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) وَقَدْ تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَنَّ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ هَذَا الْقَدْرُ فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا.

ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ: أَوَّلُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذِكْرِ الْمِسْكِينِ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَالْمِسْكِينُ مِفْعِيلٌ مِنَ السُّكُونِ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ سَكَنَتْ حَرَكَاتُهُ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ أَيْ: لَاصِقٌ بِالتُّرَابِ.

قَوْلُهُ: (الْأُكْلَةُ وَالْأُكْلَتَانِ) بِالضَّمِّ فِيهِمَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ الْآتِيَةِ آخِرَ الْبَابِ: اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ. وَزَادَ فِيهِ: الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْأُكْلَةُ بِالضَّمِّ: اللُّقْمَةُ، وَبِالْفَتْحِ: الْمَرَّةُ مِنَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ.

قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهُ غِنًى) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ غِنًى يُغْنِيهِ، وَهَذِهِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْيَسَارِ الْمَنْفِيِّ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْيَسَارِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَغْنَى بِهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَكَأَنَّ الْمَعْنَى نَفْيُ الْيَسَارِ الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ يُغْنِيهِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِ الْيَسَارِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾

قَوْلُهُ: (وَيَسْتَحِي) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ: وَلَا يَفْطَنُ بِهِ. وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: لَهُ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ. وَهُوَ بِنَصْبِ يَتَصَدَّقَ وَيَسْأَلَ، وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ غِنًى. وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَظْهَرُ تَعَلُّقُهَا بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَلَفْظُهُ هُنَاكَ: إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ - يَعْنِي - قَوْلَهُ: ﴿لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ كَذَا وَقَعَ فِيهِ بِزِيَادَةِ يَعْنِي، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِدُونِهَا، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِيهِ (١) بِزِيَادَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ.

ثَانِيهَا: حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ، وَابْنِ أَشْوَعَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَزَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ابْنُ الْأَشْوَعِ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَشْوَعِ نُسِبَ لِجَدِّهِ، وَكَاتِبُ الْمُغِيرَةِ هُوَ وَرَّادٌ.

قَوْلُهُ: (وَإِضَاعَةَ الْأَمْوَالِ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْمَالِ وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ: وَكَثْرَةُ السُّؤَالِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: فَهِمَ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ سُؤَالَ النَّاسِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ السُّؤَالَ عَنِ الْمُشْكِلَاتِ، أَوْ عَمَّا لَا حَاجَةَ لِلسَّائِلِ بِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ : ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ. قُلْتُ: وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَوْلَى، وَيَسْتَقِيمُ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ مَعَ ذَلِكَ. وَقَدْ مَضَى بَعْضُ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَفِي الرِّقَاقِ مُسْتَوْفًى، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ثَالِثُهَا: حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَوْرَدَهُ بِإِسْنَادَيْنِ، وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي


(١) كذا في الأصلين اللذين بأيدينا، وفي الكلام نقص وتحريف، فليتأمل وليحرر