للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَظَاهِرُهُ غُفْرَانُ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ وَالتَّبِعَاتِ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الشَّوَاهِدِ لِحَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ الْمُصَرِّحِ بِذَلِكَ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَلَمْ يَرْفُثْ مَعْطُوفٌ عَلَى الشَّرْطِ، وَجَوَابُهُ رَجَعَ؛ أَيْ صَارَ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرٌ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا؛ أَيْ صَارَ مُشَابِهًا لِنَفْسِهِ فِي الْبَرَاءَةِ عَنِ الذُّنُوبِ فِي يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ اهـ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَةِ: رَجَعَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. وَذَكَرَ لَنَا بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الطِّيبِيَّ أَفَادَ أَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْجِدَالُ، كَمَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الْبَعْضِ وَتَرْكِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالْقَصْدِ، لِأَنَّ وُجُودَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي تَرْكِ مَغْفِرَةِ ذُنُوبِ الْحَاجِّ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُجَادَلَةَ فِي أَحْكَامِ الْحَجِّ فِيمَا يَظْهَرُ مِنَ الْأَدِلَّةِ، أَوِ الْمُجَادَلَةَ بِطَرِيقِ التَّعْمِيمِ فَلَا يُؤَثِّرُ أَيْضًا، فَإِنَّ الْفَاحِشَ مِنْهَا دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الرَّفَثِ، وَالْحَسَنَ مِنْهَا ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ التَّأْثِيرِ، وَالْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ لَا يُؤَثِّرُ أَيْضًا.

٥ - بَاب فَرْضِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

١٥٢٢ - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي مَنْزِلِهِ وَلَهُ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقٌ فَسَأَلْتُهُ مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ أَعْتَمِرَ قَالَ: فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ.

قَوْلُهُ: (بَابُ فَرْضِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) الْمَوَاقِيتُ جَمْعُ مِيقَاتٍ، كَمَوَاعِيدَ وَمِيعَادٍ، وَمَعْنَى فَرَضَ قَدَّرَ أَوْ أَوْجَبَ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُصَنِّفِ، وَأَنَّهُ لَا يُجِيزُ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِنْ قِبَلِ الْمِيقَاتِ، وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا مَا سَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ، حَيْثُ قَالَ: مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا يُهِلُّونَ قِبَلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْجَوَازِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ إِسْحَاقَ وَدَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا عَدَمُ الْجَوَازِ، وَهُوَ ظَاهِرُ جَوَابِ ابْنِ عُمَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ، فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ، وَفَرَّقَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ الزَّمَانِيِّ وَالْمَكَانِيِّ، فَلَمْ يُجِيزُوا التَّقَدُّمَ عَلَى الزَّمَانِيِّ، وَأَجَازُوا فِي الْمَكَانِيِّ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ كَالْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى تَرْجِيحِ التَّقَدُّمِ، وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ، وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ فِي قَوْلِهِ: وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ) هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ، وَرِجَالُ هَذَا الْإِسْنَادِ سِوَى ابْنِ عُمَرَ كُوفِيُّونَ، وَجُبَيْرٌ وَالِدُ زَيْدٍ - بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرٌ - لَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي الرُّوَاةِ زَيْدُ بْنُ جَبِيرَةَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَزِيَادَةِ هَاءٍ فِي آخِرِهِ - لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الْبُخَارِيُّ شَيْئًا.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقُ) الْفُسْطَاطُ مَعْرُوفٌ وَهِيَ الْخَيْمَةُ، وَأَصْلُهُ عَمُودُ الْخِبَاءِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مِنْ قُطْنٍ، وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُغَطَّى بِهِ صَحْنُ الدَّارِ مِنَ الشَّمْسِ وَغَيْرِهَا، وَكُلُّ مَا أَحَاطَ بِشَيْءٍ فَهُوَ سُرَادِقُ، وَمِنْهُ: ﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾

قَوْلُهُ: (فَسَأَلْتُهُ) فِيهِ الْتِفَاتٌ، لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا إِنَّهُ أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَكَانَ السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ فَسَأَلَهُ، لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ.

قَوْلُهُ: (فَرَضَهَا) أَيْ قَدَّرَهَا وَعَيَّنَهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَوْجَبَهَا وَبِهِ يَتِمُّ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَرِينَةُ قَوْلِ السَّائِلِ: مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ لِي. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ بَعْدَ بَابٍ.

٦ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾

١٥٢٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ