للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي الْأَصْلِ: يَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ؛ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ.

وَهُمَا بِالْجَرِّ فِي رِوَايَتِنَا، وَصَحَّحَ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ عَطْفًا عَلَى مَا الْمَوْصُولَةِ، فَإِنَّهَا مَجْرُورَةٌ بِالْبَاءِ، وَوَقَعَ فِي غَيْرِهَا بِالنَّصْبِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ هُوَ الْآكِلُ لَا الْمَأْكُولُ، لَكِنْ يَجُوزُ عَلَى الِاتِّسَاعِ. وَفِي هَذَا الْأَثَرِ رَدٌّ عَلَى مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: إِنْ تَدَاوَى بِالسَّمْنِ أَوِ الزَّيْتِ فَعَلَيْهِ دَمٌ. أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

(تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ: (يَشَمُّ)؛ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ عَطَاءٌ: يَتَخَتَّمُ وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ مُعَرَّبٌ، يُشْبِهُ تِكَّةَ السَّرَاوِيلِ يُجْعَلُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَيُشَدُّ فِي الْوَسَطِ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابنِ عَطَاءٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْخَاتَمِ لِلْمُحْرِمِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءٍ - وَرُبَّمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ وَالْخَاتَمِ لِلْمُحْرِمِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجَازَ ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَأَجَازُوا عَقْدَهُ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ كَرَاهَتُهُ إِلَّا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْهُ جَوَازُهُ. وَمَنَعَ إِسْحَاقُ عَقْدَهُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْهِمْيَانِ لِلْمُحْرِمِ، وَلَكِنْ لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ السَّيْرَ، وَلَكِنْ يَلُفُّهُ لَفًّا. وقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ خَاتَمًا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَعَلَى عَطَاءٍ.

قَوْلُهُ: (وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ مُحْزِمٌ، وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ) وَصَلَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْعَى وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ عَقَدَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا غَرَزَ طَرَفَهُ عَلَى إِزَارِهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: لَا تَعْقِدُ عَلَيْكَ شَيْئًا وَأَنْتَ مُحْرِمٌ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَدَّهُ عَلَى بَطْنِهِ فَيَكُونُ كَالْهِمْيَانِ، وَلَمْ يَشُدَّهُ فَوْقَ الْمِئْزَرِ، وَإِلَّا فَمَالِكٌ يَرَى عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِدْيَةُ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ بِالتُّبَّانِ بَأْسًا لِلَّذِينَ يَرْحَلُونَ هَوْدَجَهَا) وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ بَأْسًا: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي الَّذِينَ. . . إِلَخْ. التُّبَّانُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ: سَرَاوِيلُ قَصِيرٌ بِغَيْرِ أَكْمَامٍ، وَالْهَوْدَجُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَبِالْجِيمِ مَعْرُوفٌ، وَيَرْحَلُونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رَحَلْتُ الْبَعِيرَ أَرْحَلُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ رَحْلًا إِذَا شَدَدْتُ عَلَى ظَهْرِهِ الرَّحْلَ، قَالَ الْأَعْشَى:

رَحَلَتْ أُمَيْمَةُ غَدْوَةً أَجْمَالَهَا

وَسَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ اسْتِشْهَادُ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ

وَعَلَى هَذَا فَوَهِمَ مَنْ ضَبَطَهُ هُنَا بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا. وَقَدْ وَصَلَ أَثَرَ عَائِشَةَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَجَّتْ وَمَعَهَا غِلْمَانٌ لَهَا، وَكَانُوا إِذَا شَدُّوا رَحْلَهَا يَبْدُو مِنْهُمُ الشَّيْءُ، فَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا التَّبَابِينَ فَيَلْبَسُونَهَا وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ: يَشُدُّونَ هَوْدَجَهَا. وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى ابْنِ التِّينِ فِي قَوْلِهِ: أَرَادَتِ النِّسَاءُ لِأَنَّهُنَّ يَلْبَسْنَ الْمَخِيطَ بِخِلَافِ الرِّجَالِ، وَكَأَنَّ هَذَا رَأْيٌ رَأَتْهُ عَائِشَةُ، وَإِلَّا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التُّبَّانِ وَالسَّرَاوِيلِ فِي مَنْعِهِ لِلْمُحْرِمِ.

قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ، وَمَنْصُورٌ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَالْإِسْنَادُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ كُوفِيُّونَ، وَكَذَا إِلَى عَائِشَةَ.

قَولُهُ: (يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ) أَيْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مُطَيَّبًا، كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مَرْفُوعًا، وَالْمَوْقُوفُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَهُوَ أَصَحُّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْغُسْلِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لِأَنْ أُطْلَى بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَطَيَّبَ ثُمَّ أُصْبِحَ مُحْرِمًا. وَفِيهِ إِنْكَارُ عَائِشَةَ عَلَيْهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَتْبَعُ فِي ذَلِكَ أَبَاهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ اسْتِدَامَةَ الطِّيبِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُنْكِرُ عَلَيْهِ