للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ الطِّيبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ. قَالَ: فَدَعَوْتُ رَجُلًا وَأَنَا جَالِسٌ بِجَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَأَرْسَلْتُهُ إِلَيْهَا وَقَدْ عَلِمْتُ قَوْلَهَا، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْمَعَهُ أَبِي، فَجَاءَنِي رَسُولِي فَقَالَ: إِنَّ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَأَصِبْ مَا بَدَا لَكَ. قَالَ: فَسَكَتَ ابْنُ عُمَرَ. وَكَذَا كَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يُخَالِفُ أَبَاهُ وَجَدَّهُ فِي ذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَالِمٍ أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ عُمَرَ فِي الطِّيبِ ثُمَّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ سَالِمٌ: سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ.

قَوْلُهُ: (فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ) هُوَ مَقُولُ مَنْصُورٍ، وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ) يُشِيرُ إِلَى مَا بَيَّنْتُهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَقَدَّمْ إِلَّا ذِكْرُ الْفِعْلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَفْزَعَ فِي النَّوَازِلِ إِلَى السُّنَنِ، وَأَنَّهُ مُسْتَغْنًى بِهَا عَنْ آرَاءِ الرِّجَالِ، وَفِيهَا الْمَقْنَعُ.

قَوْلُهُ: (كَأَنِّي أَنْظُرُ) أَرَادَتْ بِذَلِكَ قُوَّةَ تَحَقُّقِهَا لِذَلِكَ، بِحَيْثُ أنَّهَا لِشِدَّةِ اسْتِحْضَارِهَا لَهُ كَأَنَّهَا نَاظِرَةٌ إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَبِيصِ) بِالْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ وَآخِرُهُ صَادٌ مُهْمَلَةٌ؛ هُوَ الْبَرِيقُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ قَوْلُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: إِنَّ الْوَبِيصَ زِيَادَةٌ عَلَى الْبَرِيقِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّلَأْلُؤُ، وَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ عَيْنٍ قَائِمَةٍ لَا الرِّيحَ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (فِي مَفَارِقِ) جَمْعُ مَفْرِقٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَفْتَرِقُ فِيهِ الشَّعْرُ فِي وَسَطِ الرَّأْسِ، قِيلَ: ذَكَرْتُهُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ تَعْمِيمًا لِجَوَانِبِ الرَّأْسِ الَّتِي يُفَرَّقُ فِيهَا الشَّعْرُ.

قَوْلُهُ: (وَلِحِلِّهِ)؛ أَيْ بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ. وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهَا: كُنْتُ أُطَيِّبُ عَلَى أَنَّ كَانَ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، لِأَنَّهَا لَمْ يَقَعْ مِنْهَا ذَلِكَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَدْ صَرَّحَتْ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْهَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ، كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمُدَّعَى تَكْرَارُهُ إِنَّمَا هُوَ التَّطَيُّبُ لَا الْإِحْرَامُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَتَكَرَّرَ التَّطَيُّبُ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ مَعَ كَوْنِ الْإِحْرَامِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي تَكْرَارًا وَلَا اسْتِمْرَارًا، وَكَذَا قَالَ الْفَخْرُ فِي الْمَحْصُولِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهَا تَقْتَضِيهِ، قَالَ: وَلِهَذَا اسْتَفَدْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ: كَانَ حَاتِمٌ يُقْرِي الضَّيْفَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ: إِنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ ظُهُورًا، وَقَدْ تَقَعُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ، لَكِنْ يُسْتَفَادُ مِنْ سِيَاقِهِ لِذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ تُكَرِّرُ فِعْلَ التَّطَيُّبِ لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِعْلُ الْإِحْرَامِ لِمَا اطَّلَعَتْ عَلَيْهِ مِنَ اسْتِحْبَابِهِ لِذَلِكَ، عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَمْ تَتَّفِقِ الرُّوَاةُ عَنْهَا عَلَيْهَا، فَسَيَأْتِي لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ شَيْخِ مَالِكٍ فِيهِ هُنَا بِلَفْظِ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَسَائِرُ الطُّرُقِ لَيْسَ فِيهَا صِيغَةُ كَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّطَيُّبِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْإِحْرَامِ، وَجَوَازُ اسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنِهِ وَرَائِحَتِهِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِحْرَامِ؛ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَعَنْ مَالِكٍ: يَحْرُمُ، وَلَكِنْ لَا فِدْيَةَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: تَجِبُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِمَا يَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدَهُ. وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيَّةُ بِأُمُورٍ؛ مِنْهَا أَنَّهُ ﷺ اغْتَسَلَ بَعْدَ أَنْ تَطَيَّبَ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْتَشِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْغُسْلِ: ثُمَّ طَافَ بِنِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا. فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالطَّوَافِ الْجِمَاعُ، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَبْقَى لِلطِّيبِ أَثَرٌ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ أَيْضًا: ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا يَنْضَحُ طِيبًا. فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ نَضْحَ الطِّيبِ - وَهُوَ ظُهُورُ رَائِحَتِهِ - كَانَ فِي حَالِ إِحْرَامِهِ، وَدَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَالتَّقْدِيرُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ يَنْضَحُ طِيبًا، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: كَانَ