للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّهَ لَا يُهْلِكُ مَنْ يُرِيدُ الْإِصْلَاحَ، فَارْتَقَى عَلَى ظَاهِرِ الْبَيْتِ وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا نُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ، ثُمَّ هَدَمَ. فَلَمَّا رَأَوْهُ سَالِمًا تَابَعُوهُ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ، وَبِهِ جَزَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ الْحَرِيقُ تَقَدَّمَ وَقْتُهُ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْبِنَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ السَّيْلَ كَانَ يَأْتِي فَيُصِيبُ الْكَعْبَةَ فَيَتَسَاقَطُ مِنْ بِنَائِهَا، وَكَانَ رَضْمًا فَوْقَ الْقَامَةِ، فَأَرَادَتْ قُرَيْشُ رَفْعَهَا وَتَسْقِيفَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ نَفَرًا سَرَقُوا كَنْزَ الْكَعْبَةِ.

فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلًةً فِي بِنَائِهِمُ الْكَعْبَةَ، وَفِي اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ يَضَعُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ حَتَّى رَضُوا بِأَوَّلِ دَاخِلٍ،، فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ، فَحَكَّمُوهُ فِي ذَلِكَ، فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ. قَالَ: وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ ذِرَاعًا، وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ اسْمَ النَّجَّارِ الْمَذْكُورِ بَاقُومُ، وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِثْلَهُ، قَالَ: وَكَانَ يَتَّجِرُ إِلَى بَنْدَرٍ وَرَاءَ سَاحِلِ عَدَنٍ، فَانْكَسَرَتْ سَفِينَتُهُ بِالشُّعَيْبَةِ، فَقَالَ لِقُرَيْشٍ: إِنْ أَجْرَيْتُمْ عِيرِي مَعَ عِيرِكُمْ إِلَى الشَّامِ أَعْطَيْتُكُمُ الْخَشَبَ، فَفَعَلُوا. وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: اسْمُ الَّذِي بَنَى الْكَعْبَةَ لِقُرَيْشٍ بَاقُومُ، وَكَانَ رُومِيًّا. وَقَالَ الْأَزْرَقِيُّ: كَانَ طُولُهَا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، فَاقْتَصَرَتْ قُرَيْشٌ مِنْهَا عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشْرَ، وَنَقَصُوا مِنْ عَرْضِهَا أَذْرُعًا أَدْخَلُوهَا فِي الْحِجْرِ.

قَوْلُهُ: (فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ) فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ الْمَاضِيَةِ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ التَّعَرِّي مِنْ أَوَائِلِ الصَّلَاةِ: فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ أَيِ ارْتَفَعَتَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَارَ يَنْظُرُ إِلَى فَوْقَ. وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ: ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ.

قَوْلُهُ: (أَرِنِي إِزَارِي) أَيْ أَعْطِنِي، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ كَسْرَ الرَّاءِ وَسُكُونَهَا، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْآتِيَةِ: إِزَارِي إِزَارِي. بِالتَّكْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (فَشَدَّهُ عَلَيْهِ) زَادَ زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَاهِدُهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ.

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ﵁: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ ﵂ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا أُرَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ

الْحَدِيثُ الثَّانِي: سَاقَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ طُرُقٍ.

قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَ: (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ ابْنِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) أَيِ الصِّدِّيقِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ أَخُو الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) بِنَصْبِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ سَالِمًا كَانَ حَاضِرًا لِذَلِكَ، فَيَكُونُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، لَكِنَّهُ سَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدٍ، فَوَهِمَ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَغْرَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، فَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ وَالْمَحْفُوظُ الْأَوَّلُ. وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، لَكِنَّهُ اخْتَصَرَهُ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، فَتَابَعَ سَالِمًا فِيهِ، وَزَادَ فِي الْمَتْنِ: وَلَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ. وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَخْرَجَهَا أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهَا فِي بَابِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ.

قَوْلُهُ: (قَوْمَكِ) أَيْ قُرَيْشٌ.

قَوْلُهُ: (اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ) سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ.

قَوْلُهُ: (لَوْلَا حِدْثَانِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ، بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ، أَيْ قُرْبُ عَهْدِهِمْ.

قَوْلُهُ: (لَفَعَلْتُ) أَيْ لَرَدَدْتُهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ) أَيِ ابْنُ عُمَرَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مُجَرَّدَةً.

قَوْلُهُ: (لَئِنْ كَانَتْ) لَيْسَ هَذَا شَكًّا مِنَ ابْنِ عُمَرَ فِي صِدْقِ