للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَى يَدَيْ بَعْضِ الْجُنْدِ، فَجَدَّدَ لَهَا سَقْفًا، وَرَخَّمَ السَّطْحَ، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ صَارَ الْمَطَرُ إِذَا نَزَلَ يَنْزِلُ إِلَى دَاخِلِ الْكَعْبَةِ أَشَدَّ مِمَّا كَانَ أَوَّلًا، فَأَدَّاهُ رَأْيُهُ الْفَاسِدُ إِلَى نَقْضِ السَّقْفِ مَرَّةً أُخْرَى وَسَدِّ مَا كَانَ فِي السَّطْحِ مِنَ الطَّاقَاتِ الَّتِي كَانَ يَدْخُلُ مِنْهَا الضَّوْءُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ امْتِهَانُ الْكَعْبَةِ، بَلْ صَارَ الْعُمَّالُ يَصْعَدُونَ فِيهَا بِغَيْرِ أَدَبٍ، فَغَارَ بَعْضُ الْمُجَاوِرِينَ فَكَتَبَ إِلَى الْقَاهِرَةِ يَشْكُو ذَلِكَ.

فَبَلَغَ السُّلْطَانَ الظَّاهِرَ، فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَجَهَّزَ بَعْضَ الْجُنْدِ لِكَشْفِ ذَلِكَ فَتَعَصَّبَ لِلْأَوَّلِ بَعْضُ مَنْ جَاوَرَ وَاجْتَمَعَ الْبَاقُونَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً، فَكَتَبُوا مَحْضَرًا بِأَنَّهُ مَا فَعَلَ شَيْئًا إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنْهُمْ، وَأَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ مَصْلَحَةٌ، فَسَكَنَ غَضَبُ السُّلْطَانِ وَغَطَّى عَنْهُ الْأَمْرَ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ، وَهُوَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ قَبْلَ الْأَلِفِ، وَبَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ - يَعْنِي الْكَعْبَةَ - حَقَّ تَعْظِيمِهَا، فَإِذَا ضَيَّعُوا ذَلِكَ (١) هَلَكُوا.

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - الْأَمْنَ مِنَ الْفِتَنِ بِحِلْمِهِ وَكَرَمِهِ، وَمِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقِ الِاحْتِيَاجُ فِي الْكَعْبَةِ إِلَى الْإِصْلَاحِ إِلَّا فِيمَا صَنَعَهُ الْحَجَّاجُ إِمَّا مِنَ الْجِدَارِ الَّذِي بَنَاهُ فِي الْجِهَةِ الشَّامِيَّةِ، وَإِمَّا فِي السُّلَّمِ الَّذِي جَدَّدَهُ لِلسَّطْحِ وَالْعَتَبَةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فَإِنَّمَا هُوَ لِزِيَادَةٍ مَحْضَةٍ كَالرُّخَامِ أَوْ لِتَحْسِينٍ كَالْبَابِ وَالْمِيزَابِ، وَكَذَا مَا حَكَاهُ الْفَاكِهِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُكَرَّمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاوَرْتُ بِمَكَّةَ فَعَابَتْ - أَيْ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أُسْطُوَانَةٌ مِنْ أَسَاطِينِ الْبَيْتِ فَأُخْرِجَتْ وَجِيءَ بِأُخْرَى لِيُدْخِلُوهَا مَكَانَهَا فَطَالَتْ عَنِ الْمَوْضِعِ، وَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ وَالْكَعْبَةُ لَا تُفْتَحُ لَيْلًا فَتَرَكُوهَا لِيَعُودُوا مِنْ غَدٍ لِيُصْلِحُوهَا فَجَاءُوا مِنْ غَدٍ فَأَصَابُوهَا أَقْدَمَ مِنْ قِدْحٍ. أَيْ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ السَّهْمُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَبَكْرٌ هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَكَأَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي أَوَائِلِ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَانَتِ الْأُسْطُوَانَةُ مِنْ خَشَبٍ. وَاللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.

٤٣ - بَاب فَضْلِ الْحَرَمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ وَقَوْلِهِ - جَلَّ ذِكْرُهُ - ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾

١٥٨٧ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا

قَوْلُهُ: (بَابُ فَضْلِ الْحَرَمِ) أَيِ: الْمَكِّيِّ الَّذِي سَيَأْتِي ذِكْرُ حُدُودِهِ فِي بَابِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ الْآيَةَ) وَجْهُ تَعَلُّقِهَا بِالتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ إِضَافَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إِلَى الْبَلْدَةِ، فَإِنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّشْرِيفِ لَهَا، وَهِيَ أَصْلُ الْحَرَمِ.

قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾ الْآيَةَ، رَوَى النَّسَائِيُّ فِي


(١) في هامش طبعة بولاق في نسخة "صنعوا ذلك".