للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَطُرُقُ الزُّهْرِيِّ مُتَّفِقَةٌ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْهُ بِنَحْوِ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَظَاهِرُهُ يُوَافِقُ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِيمَا رَوَاهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ عَنْهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ نَصَبَ مَنَاةَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِمَّا يَلِي قُدَيْدًا، فَكَانَتِ الْأَزْدُ وَغَسَّانُ يَحُجُّونَهَا وَيُعَظِّمُونَهَا، إِذَا طَافُوا

بِالْبَيْتِ وَأَفَاضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ وَفَرَغُوا مِنْ مِنًى أَتَوْا مَنَاةَ فَأَهَلُّوا لَهَا، فَمَنْ أَهَلَّ لَهَا لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - قَالَ - وَكَانَتْ مَنَاةُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَالْأَزْدِ مِنْ غَسَّانَ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ فَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ هَذَا الْحَدِيثَ فَخَالَفَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ وَلَفْظُهُ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِصَنَمَيْنِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ يُقَالُ لَهُمَا أسَافٌ وَنَائِلَةُ فَيَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلُّونَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَرِهُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَهُمَا لِلَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْتَضِي أَنَّ تَحَرُّجَهُمْ إِنَّمَا كَانَ لِئَلَّا يَفْعَلُوا فِي الْإِسْلَامِ شَيْئًا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ أَبْطَلَ أَفْعَالَ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا مَا أَذِنَ فِيهِ الشَّارِعُ، فَخَشُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي أَبْطَلَهُ الشَّارِعُ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَوْجِيهُهَا ظَاهِرٌ بِخِلَافِ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ التَّحَرُّجَ عَنِ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا لَا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِمْ فِعْلَ شَيْءٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَتَحَرَّجُوا مِنْ فِعْلِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَوْلَا الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي طَرِيقِ يُونُسَ حَيْثُ قَالَ وَكَانَتْ سُنَّةً فِي آبَائِهِمْ إِلَخْ لَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مُمْكِنًا بِأَنْ نَقُولَ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُهِلُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِمَنَاةَ ثُمَّ يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَكَانَ مَنْ

أَهَلَّ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِئَلَّا يُضَاهِيَ فِعْلَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ فَظَنُّوا أَنَّهُ أَبْطَلَ ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورَةُ حَيْثُ قَالَ فِيهَا فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَرِهُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَهُمَا لِلَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا وَهُمْ غَيْرُ هَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ فَقَالَ: قَوْلُهُ لِصَنَمَيْنِ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ وَهْمٌ، فَإِنَّهُمَا مَا كَانَا قَطُّ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ وَإِنَّمَا كَانَا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، إِنَّمَا كَانَتْ مَنَاةُ مِمَّا يَلِي جِهَةَ الْبَحْرِ. انْتَهَى.

وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَتِهِ أَيْضًا إِهْلَالُهُمْ أَوَّلًا لِمَنَاةَ، فَكَأَنَّهُمْ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ فَيَبْدَءُونَ بِهَا ثُمَّ يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَجْلِ أسَافٍ وَنَائِلَةَ، فَمِنْ ثَمَّ تَحَرَّجُوا مِنَ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ بِلَفْظِ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شِعَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ كَانَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ صَنَمَانِ مِنْ نُحَاسٍ يُقَالُ لَهُمَا أسَافٌ وَنَائِلَةُ كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا تَمَسَّحُوا بِهِمَا الْحَدِيثَ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتِ الْأَنْصَارُ: إِنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ Object ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ، وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي: الْأَحْكَامِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَ صَنَمٌ بِالصَّفَا يُدْعَى أسَافٌ وَوَثَنٌ بِالْمَرْوَةِ يُدْعَى نَائِلَةُ، فَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ رُمِيَ بِهِمَا وَقَالُوا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَصْنَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَجْلِ أَوْثَانِهِمْ، فَأَمْسَكُوا عَنِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا، قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ فِي: أَسْبَابِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَ هَذَا وَزَادَ فِيهِ: