للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَحْيَى الْقَطَّانِ الْمَذْكُورَةِ حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ لِقِتَالِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنِ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنَ الطَّرِيقِ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ عَامَ حَجَّ الْحَرُورِيَّةُ. وَتَقَدَّمَ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ) هَذَا الْكَلَامُ قَالَهُ جَوَابًا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ لَهُ: إِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، كَمَا أَوْضَحَتْهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ.

قَوْلُهُ: (كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، إِذَنْ اصْنَع كَمَا صَنَعَ. زَادَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ فِي بَابِ طَوَافِ الْقَارِنِ: كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهُ ﷺ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ فِي بَابِ طَوَافِ الْقَارِنِ.

قَوْلُهُ: (فَأَهَلَّ) يَعْنِي: ابْنَ عُمَرَ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ: فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ ﷺ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ). قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَرَادَ إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ وَأُحْصِرْتُ تَحَلَّلْتُ مِنَ الْعُمْرَةِ كَمَا تَحَلَّلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْعُمْرَةِ. وَقَالَ: عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ كَمَا أَهَلَّ النَّبِيُّ ﷺ بِعُمْرَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَمْرَيْنِ، أَيْ: مِنَ الْإِهْلَالِ وَالْإِحْلَالِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَرْدُودٍ.

قَوْلُهُ: (بِعُمْرَةٍ) زَادَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ: مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ الْمَاضِيَةِ: فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الدَّارِ وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ الْمَنْزِلُ الَّذِي نَزَلَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الدَّارِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ دَاخِلِ بَيْتِهِ، ثُمَّ أَعْلَنَ بِهَا وَأَظْهَرَهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ.

قَوْلُهُ: (عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ) سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ وَشَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ بَابَيْنِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ - وَهُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ - عَنْ مَالِكٍ، فَزَادَ فِيهِ: ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ أَيِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِحْصَارِ وَالْإِحْلَالِ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ. وَبَيَّنَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ سَارَ سَاعَةً، وَهُوَ يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ الْمَاضِي فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّارِ الْمَنْزِلُ الَّذِي نَزَلَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ. وَلَوْ كَانَ إِيجَابُهُ الْعُمْرَةَ مِنْ دَارِهِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ لَكَانَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ ظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ.

قَوْلُهُ في رواية جويرية: (فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى دخل يَوْمَ النَّحْرِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ: فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ. وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اكْتَفَى بِطَوَافِ الْقُدُومِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورَةِ: ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ طَوَافِ الْقَارِنِ.

قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ: (أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ) أَيْ: أَلْزَمْتُ نَفْسِي ذَلِكَ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَعْلِيمَ مَنْ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، وَإِلَّا فَالتَّلَفُّظُ لَيْسَ بِشَرْطٍ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ) أَيِ: الْبَيْتُ - أَيْ: مُنِعْتُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ لِأَطُوفَ - تَحَلَّلْتُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ يَعْنِي: الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ مِنْهُمَا بِالْإِحْصَارِ، أَوْ فِي إِمْكَانِ الْإِحْصَارِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَجِّ، فَكَأَنَّهُ رَأَى أَوَّلًا أَنَّ الْإِحْصَارَ عَنِ الْحَجِّ أَشَدُّ مِنَ الْإِحْصَارِ عَنِ الْعُمْرَةِ لِطُولِ زَمَنِ الْحَجِّ وَكَثْرَةِ أَعْمَالِهِ، فَاخْتَارَ الْإِهْلَالَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ رَأَى أَنَّ الْإِحْصَارَ بِالْحَجِّ يُفِيدُ التَّحَلُّلَ عَنْهُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ. وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْقِيَاسَ وَيَحْتَجُّونَ بِهِ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ مَنْ أُحْصِرَ بِالْعَدُوِّ بِأَنْ مَنْعَهُ عَنِ الْمُضِيِّ فِي نُسُكِهِ