للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا، وَسَيَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ بِزِيَادَةٍ فِي أَوَّلِهِ قَالَ فِيهَا الْجِرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الْإِبِلِ

قَوْلُهُ: (مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا) يُقَيَّدُ بِهِ مُطْلَقُ مَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمَدِينَةِ لِفَضْلِهَا وَشَرَفِهَا.

قَوْلُهُ: (لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا، وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِمَا فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ الصَّرْفُ الْفَرِيضَةُ وَالْعَدْلُ النَّافِلَةُ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِالْعَكْسِ، وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ الصَّرْفُ التَّوْبَةُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ، وَعَنْ يُونُسَ مِثْلُهُ، لَكِنْ قَالَ: الصَّرْفُ الِاكْتِسَابُ، وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ: الْعَدْلُ الْحِيلَةُ، وَقِيلَ: الْمِثْلُ، وَقِيلَ: الصَّرْفُ الدِّيَةُ وَالْعَدْلُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ، وَحَكَى صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الصَّرْفُ الْوَزْنُ وَالْعَدْلُ الْكَيْلُ، وَقِيلَ: الصَّرْفُ الْقِيمَةُ وَالْعَدْلُ الِاسْتِقَامَةُ، وَقِيلَ: الصَّرْفُ الدِّيَةُ وَالْعَدْلُ الْبَدِيلُ، وَقِيلَ: الصَّرْفُ الشَّفَاعَةُ، وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهَا تُعَادِلُ الدِّيَةَ، وَبِهَذَا الْأَخِيرِ جَزَمَ الْبَيْضَاوِيُّ، وَقِيلَ: الصَّرْفُ الرِّشْوَةُ وَالْعَدْلُ الْكَفِيلُ، قَالَهُ أَبَانُ بْنُ ثَعْلَبٍ وَأَنْشَدَ:

لَا نَقْبَلُ الصَّرْفَ وَهَاتُوا عَدْلًا

فَحَصَلْنَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ، وَقَدْ وَقَعَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: عَدْلٌ فِدَاءٌ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِتَفْسِيرِ الْأَصْمَعِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ لَا يُقْبَلُ قَبُولَ رِضًا، وَإِنْ قُبِلَ قَبُولَ جَزَاءٍ، وَقِيلَ: يَكُونُ الْقَبُولُ هُنَا بِمَعْنَى تَكْفِيرِ الذَّنْبِ بِهِمَا، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى الْفِدْيَةِ أَنَّهُ لَا يَجِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِدًى يَفْتَدِي بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُذْنِبِينَ بِأَنْ يَفْدِيَهُ مِنَ النَّارِ بِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ لِمَا تَدَّعِيهِ الشِّيعَةُ بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ وَآلِ بَيْتِهِ مِنَ النَّبِيِّ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ أَعْلَمَهُ بِهَا سِرًّا تَشْتَمِلُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ وَأُمُورِ الْإِمَارَةِ. وَفِيهِ جَوَازُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ.

قَوْلُهُ: (ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ) أَيْ: أَمَانُهُمْ صَحِيحٌ فَإِذَا أَمَّنَ الْكَافِرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَرُمَ عَلَى غَيْرِهِ التَّعَرُّضُ لَهُ. وَلِلْأَمَانِ شُرُوطٌ مَعْرُوفَةٌ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الذِّمَّةُ الْعَهْدُ، سُمِّيَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُذَمُّ مُتَعَاطِيهَا عَلَى إِضَاعَتِهَا. وَقَوْلُهُ: يَسْعَى بِهَا (١) أَيْ: يَتَوَلَّاهَا وَيَذْهَبُ وَيَجِيءُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ ذِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ صَدَرَتْ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ، شَرِيفٍ أَوْ وَضِيعٍ، فَإِذَا أَمَّنَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا وَأَعْطَاهُ ذِمَّةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ، فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ. وَقَوْلُهُ: فَمَنْ أَخْفَرَ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - أَيْ: نَقَضَ الْعَهْدَ، يُقَالُ خَفَرْتُهُ بِغَيْرِ أَلْفٍ: أَمَّنْتُهُ، وَأَخْفَرْتُهُ: نَقَضْتُ عَهْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ يَتَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ) لَمْ يُجْعَلِ الْإِذْنَ شَرْطًا لِجَوَازِ الِادِّعَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَأْذَنَهُمْ فِي ذَلِكَ مَنَعُوهُ وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَنَّى بِذَلِكَ عَنْ بَيْعِهِ، فَإِذَا وَقَعَ بَيْعُهُ جَازَ لَهُ الِانْتِمَاءُ إِلَى مَوْلَاهُ الثَّانِي وَهُوَ غَيْرُ مَوْلَاهُ الْأَوَّلِ، أَوِ الْمُرَادُ مُوَالَاةُ الْحِلْفِ فَإِذَا أَرَادَ الِانْتِقَالَ عَنْهُ لَا يَنْتَقِلُ إِلَّا بِإِذْنٍ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ وَلَاءَ الْعِتْقِ لِعَطْفِهِ عَلَى قَوْلِهِ: مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْوَعِيدِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، فَإِذَا نُسِبَ إِلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ كَانَ كَالدَّعِيِّ الَّذِي تَبَرَّأَ عَمَّنْ هُوَ مِنْهُ وَأَلْحَقَ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ بِالطَّرْدِ وَالْإِبْعَادِ عَنِ الرَّحْمَةِ. ثُمَّ أَجَابَ عَنِ الْإِذْنِ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ لِلتَّقْيِيدِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَانِعُ، وَهُوَ إِبْطَالُ حَقِّ مَوَالِيهِ. فَأَوْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ. وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(تَنْبِيهٌ): رَتَّبَ الْمُصَنِّفُ أَحَادِيثَ الْبَابِ تَرْتِيبًا حَسَنًا، فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِ الْمَدِينَةِ حَرَمًا، وَفِي حَدِيثِهِ الثَّانِي تَخْصِيصُ النَّهْيِ


(١) في هامش طبعة بولاق: وقوله يسعى الخ لعل وقعت له نسخة نصها ذمة المسلمين واحدة يسعى أدناهم فمن أخفر الخ.