للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْ قَطْعِ الشَّجَرِ بِمَا لَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيَانُ مَا أُجْمِلَ مِنْ حَدِّ حَرَمِهَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ حَيْثُ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَبَيَّنَ فِي هَذَا أَنَّهُ مَا بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ زِيَادَةُ تَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ وَبَيَانُ حَدِّ الْحَرَمِ أَيْضًا.

٢ - بَاب فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاسَ

١٨٧١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاسَ) أَيِ: الشِّرَارُ مِنْهُمْ، وَرَاعَى فِي التَّرْجَمَةِ لَفْظَ الْحَدِيثِ، وَقَرِينَةُ إِرَادَةِ الشِّرَارِ مِنَ النَّاسِ ظَاهِرَةٌ مِنَ التَّشْبِيهِ الْوَاقِعِ فِي الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْإِخْرَاجُ، وَلَوْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ تُنَقِّي بِالْقَافِ لَحُمِلَ لَفْظُ النَّاسِ عَلَى عُمُومِهِ. وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَبْوَابٍ الْمَدِينَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ

قَوْلُهُ: (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَشَيْخُهُ أَبُو الْحُبَابِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ إِلَّا شَيْخَ الْبُخَارِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ عَلَى إِسْنَادِهِ إِلَّا إِسْحَاقَ بْنَ عِيسَى الطَّبَّاعَ فَقَالَ: عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بَدَلَ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. قُلْتُ: وَتَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ وَقَالَ: هَذَا وَهَمٌ، وَالصَّوَابُ: عَنْ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ.

قَوْلُهُ: (أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ) أَيْ: أَمَرَنِي رَبِّي بِالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا أَوْ سُكْنَاهَا، فَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ بِمَكَّةَ، وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ بِالْمَدِينَةِ.

قَوْلُهُ: (تَأْكُلُ الْقُرَى) أَيْ: تَغْلِبُهُمْ. وَكَنَّى بِالْأَكْلِ عَنِ الْغَلَبَةِ؛ لِأَنَّ الْآكِلَ غَالِبٌ عَلَى الْمَأْكُولِ. وَوَقَعَ فِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ قُلْتُ لِمَالِكٍ: مَا تَأْكُلُ الْقُرَى؟ قَالَ: تَفْتَحُ الْقُرَى. وَبَسَطَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فَقَالَ: مَعْنَاهُ: يَفْتَحُ أَهْلُهَا الْقُرَى فَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَهُمْ وَيَسْبُونَ ذَرَارِيَّهُمْ. قَالَ: وَهَذَا مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: أَكَلْنَا بَلَدَ كَذَا، إِذَا ظَهَرُوا عَلَيْهَا. وَسَبَقَهُ الْخَطَّابِيُّ إِلَى مَعْنَى ذَلِكَ أَيْضًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ذَكَرُوا فِي مَعْنَاهُ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالْآخَرُ أَنَّ أَكْلَهَا وَمِيرَتَهَا مِنَ الْقُرَى الْمُفْتَتَحَةِ، وَإِلَيْهَا تُسَاقُ غَنَائِمُهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِأَكْلِهَا الْقُرَى غَلَبَةَ فَضْلِهَا عَلَى فَضْلِ غَيْرِهَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْفَضَائِلَ تَضْمَحِلُّ فِي جَنْبِ عَظِيمِ فَضْلِهَا حَتَّى تَكَادَ تَكُونُ عَدَمًا. قُلْتُ: وَالَّذِي ذَكَرَهُ احْتِمَالًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فَقَالَ: لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: تَأْكُلُ الْقُرَى إِلَّا رُجُوحُ فَضْلِهَا عَلَيْهَا وَزِيَادَتُهَا عَلَى غَيْرِهَا، كَذَا قَالَ. وَدَعْوَى الْحَصْرِ مَرْدُودَةٌ لِمَا مَضَى، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَقَدْ سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى، قَالَ: وَالْمَذْكُورُ لِلْمَدِينَةِ أَبْلَغُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَا تَنْمَحِي إِذَا وُجِدَتْ مَا هِيَ لَهُ أُمٌّ، لَكِنْ يَكُونُ حَقُّ الْأُمِّ أَظْهَرَ وَفَضْلُهَا أَكْثَرَ.

قَوْلُهُ: (يَقُولُونَ يَثْرِبُ وَهِيَ الْمَدِينَةُ) أَيْ إِنَّ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ يُسَمِّيهَا يَثْرِبَ، وَاسْمُهَا الَّذِي يَلِيقُ بِهَا الْمَدِينَةُ. وَفَهِمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذَا كَرَاهَةَ تَسْمِيَةِ الْمَدِينَةِ يَثْرِبَ وَقَالُوا: مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ قَوْلِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَفَعَهُ: مَنْ سَمَّى الْمَدِينَةَ يَثْرِبَ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، هِيَ طَابَةُ هِيَ طَابَةُ وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ يُقَالَ لِلْمَدِينَةِ: يَثْرِبُ وَلِهَذَا قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: مَنْ سَمَّى الْمَدِينَةَ يَثْرِبَ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ.

قَالَ: وَسَبَبُ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ يَثْرِبَ إِمَّا مِنَ التَّثْرِيبِ الَّذِي هُوَ التَّوْبِيخُ وَالْمَلَامَةُ، أَوْ مِنَ الثَّرْبِ وَهُوَ الْفَسَادُ، وَكِلَاهُمَا مُسْتَقْبَحٌ، وَكَانَ ﷺ يُحِبُّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَيَكْرَهُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ. وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ