للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ كَذَلِكَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ عُرْوَةُ ثُمَّ لَقِيتُ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَخْبَرَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هِشَامٍ اخْتِلَافًا آخَرَ، فَقَالَ وُهَيْبٌ وَجَمَاعَةٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِسَنَدِهِ: عَنْ سُفْيَانَ بْنِ الْغَوْثِ، وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِسَنَدِهِ: عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قُلْتُ: قَدْ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ عَلَى الصَّوَابِ، وَرَوَاهُ أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ جَرِيرٍ فَقَالَ: سُفْيَانُ بْنُ أَبِي قِلَابَةَ، كَأَنَّهُ عَرَفَ خَطَأَ جَرِيرٍ فَكَنَّى عَنْهُ، وَاسْمُ أَبِي زُهَيْرٍ الْقَرِدُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ وَقِيلَ: نُمَيْرٌ، وَهُوَ الشَّنُوئِيُّ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ، وَبَعْدَ الْوَاوِ هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ، وَفِي النَّسَبِ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: بِفَتْحِ النُّونِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ بِلَا وَاوٍ، وَشَنُوءَةُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَضْرِ بْنِ الْأَزْدِ، وَسُمِّيَ شَنُوءَةَ لِشَنَآنٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ.

قَوْلُهُ: (تُفْتَحُ الْيَمَنُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ: افْتُتِحَتِ الْيَمَنُ فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ ﷺ وَفِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ، وَافْتُتِحَتِ الشَّامُ بَعْدَهَا، وَالْعِرَاقُ بَعْدَهَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، فَقَدْ وَقَعَ عَلَى وَفْقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ وَعَلَى تَرْتِيبِهِ، وَوَقَعَ تَفَرُّقُ النَّاسِ فِي الْبِلَادِ لِمَا فِيهَا مِنَ السَّعَةِ وَالرَّخَاءِ، وَلَوْ صَبَرُوا عَلَى الْإِقَامَةِ بِالْمَدِينَةِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْبِقَاعِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ لِلْمَدِينَةِ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ.

قَوْلُهُ: (يَبُسُّونَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِكَسْرِهَا مِنْ بَسَّ يَبُسُّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ رَوَاهُ بِضَمِّهَا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ يَسُوقُونَ دَوَابَّهُمْ، وَالْبَسُّ سَوْقُ الْإِبِلِ، تَقُولُ: بِسْ بِسْ، عِنْدَ السَّوْقِ وَإِرَادَةِ السُّرْعَةِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ يَزْجُرُونَ دَوَابَّهُمْ فَيَبُسُّونَ مَا يَطَئُونَهُ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ السَّيْرِ فَيَصِيرُ غُبَارًا. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا﴾ أَيْ: سَالَتْ سَيْلًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ سَارَتْ سَيْرًا، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْبَسُّ الْمُبَالَغَةُ فِي الْفَتِّ وَمِنْهُ قِيلَ: لِلدَّقِيقِ الْمَصْنُوعِ بِالدُّهْنِ: بَسِيسٌ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقِيلَ: مَعْنَى يَبُسُّونَ يَسْأَلُونَ عَنِ الْبِلَادِ وَيَسْتَقْرِئُونَ أَخْبَارَهَا لِيَسِيرُوا إِلَيْهَا. قَالَ: وَهَذَا لَا يَكَادُ يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُزَيِّنُونَ لِأَهْلِهِمُ الْبِلَادَ الَّتِي تُفْتَحُ وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى سُكْنَاهَا فَيَتَحَمَّلُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنَ الْمَدِينَةِ رَاحِلِينَ إِلَيْهَا، وَيَشْهَدُ لِهَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ

لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَعَلَى هَذَا فَالَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ غَيْرَ الَّذِينَ يَبُسُّونَ، كَأَنَّ الَّذِي حَضَرَ الْفَتْحَ أَعْجَبَهُ حُسْنُ الْبَلَدِ وَرَخَاؤُهَا فَدَعَا قَرِيبَهُ إِلَى الْمَجِيءِ إِلَيْهَا لِذَلِكَ، فَيَتَحَمَّلُ الْمَدْعُوُّ بِأَهْلِهِ وَأَتْبَاعِهِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرُوِيَ يُبِسُّونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ مِنْ أَبَسَّ إِبْسَاسًا، وَمَعْنَاهُ يُزَيِّنُونَ لِأَهْلِهِمُ الْبَلَدَ الَّتِي يَقْصِدُونَهَا، وَأَصْلُ الْإِبْسَاسِ لِلَّتِي تُحْلَبُ حَتَّى تَدِرَّ بِاللَّبَنِ، وَهُوَ أَنْ يُجْرِيَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهَا وَصَفْحَةِ عُنُقِهَا كَأَنَّهُ يُزَيِّنُ لَهَا ذَلِكَ وَيُحَسِّنُهُ لَهَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ وَهْبٍ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ مَالِكٍ يُبِسُّونَ مِنَ الرُّبَاعِيِّ، وَفَسَّرَهُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، وَأَنْكَرَ الْأَوَّلَ غَايَةَ الْإِنْكَارِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَمَّنْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ مُتَحَمِّلًا بِأَهْلِهِ بَاسًّا فِي سَيْرِهِ مُسْرِعًا إِلَى الرَّخَاءِ وَالْأَمْصَارِ الْمُفْتَتَحَةِ. قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ: تُفْتَحُ الشَّامُ، فَيَخْرُجُ النَّاسُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَيْهَا يُبِسُّونَ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ زَمَانٌ يَنْطَلِقُ النَّاسُ مِنْهَا إِلَى الْأَرْيَافِ يَلْتَمِسُونَ الرَّخَاءَ فَيَجِدُونَ رَخَاءً، ثُمَّ يَأْتُونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ إِلَى الرَّخَاءِ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ