للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشَّجَرَةِ ثُمَّ تَابَ تَأَخَّرَ قَبُولُ تَوْبَتِهِ مِمَّا بَقِيَ فِي جَسَدِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا صَفَا جَسَدُهُ مِنْهَا تِيبَ عَلَيْهِ فَفُرِضَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ صِيَامُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ السَّنَدِ فِيهِ إِلَى مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَهَيْهَاتَ وِجْدَانُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ الْآيَةَ) أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَبْدَأِ فَرْضِ الصِّيَامِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ عَلَى شَرْطِهِ فِيهِ شَيْءٌ، فَأَوْرَدَ مَا يُشِيرُ إِلَى الْمُرَادِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: حَدِيثَ طَلْحَةَ الدَّالَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْضَ إِلَّا رَمَضَانَ، وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ الْمُتَضَمِّنَ الْأَمْرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي رِوَايَتِهِمَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ بِدَلِيلِ حَصْرِ الْفَرْضِ فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ ثُمَّ بَيَّنَهُ فَقَالَ: شَهْرُ رَمَضَانَ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلْ فُرِضَ عَلَى النَّاسِ صِيَامٌ قَبْلَ رَمَضَانَ أَوْ لَا؟

فَالْجُمْهُورُ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ قَطُّ صَوْمٌ قَبْلَ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَفِي وَجْهٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ: أَوَّلُ مَا فُرِضَ صِيَامُ عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ نُسِخَ. فَمِنْ أَدِلَّةِ الشَّافِعِيَّةِ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا: لَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الصِّيَامِ. وَمِنْ أَدِلَّةِ الْحَنَفِيَّةِ ظَاهِرُ حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ، وَحَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الْآتِي وَهُوَ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ: مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ. قَالَتْ: فَلَمْ نَزَلْ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَهُمْ صِغَارٌ الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ مَسْلَمَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمِ الْحَدِيثَ. وَبَنَوْا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ نِيَّةٌ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ لَا؟ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ عِشْرِينَ بَابًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ طَلْحَةَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَقَوْلُهُ: فِيهِ عَنْ أَبِيهِ هُوَ مَالِكُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ جَدُّ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ: عَنْ طَلْحَةَ قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: فِي سَمَاعِهِ مِنْ طَلْحَةَ نَظَرٌ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ عُمَرَ فَكَيْفَ يَكُونُ فِي سَمَاعِهِ مِنْ طَلْحَةَ نَظَرٌ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا.

وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثَيِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ فِي أَوَاخِرِ الصِّيَامِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٢ - بَاب فَضْلِ الصَّوْمِ

١٨٩٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.

[الحديث ١٨٩٤ - أطرافه في: ١٩٠٤، ٥٩٢٧، ٧٤٩٢، ٧٥٣٨]

قَوْلُهُ: (بَابُ فَضْلِ الصَّوْمِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْهُ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى حَدِيثَيْنِ أَفْرَدَهُمَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، فَمِنْ أَوَّلِهِ إِلَى قَوْلِهِ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ حَدِيثٌ، وَمِنْ ثُمَّ إِلَى آخِرِهِ حَدِيثٌ، وَجَمَعَهُمَا عَنْهُ هَكَذَا الْقَعْنَبِيُّ، وَعَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا. وَوَقَعَ عَنْ غَيْرِ الْقَعْنَبِيِّ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ زِيَادَةٌ فِي آخِرِ الثَّانِي وَهِيَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا زَادُوا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إِلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَبَيَّنَ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ