للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

Object كَمَا سَأُبَيِّنُهُ.

قَوْلُهُ: (الصِّيَامُ جُنَّةٌ) زَادَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِثْلُهُ، وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا زَادَ الدَّارِمِيُّ: بِالْغِيبَةِ وَبِذَلِكَ تَرْجَمَ لَهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْجُنَّةُ بِضَمِّ الْجِيمِ الْوِقَايَةُ وَالسَّتْرُ. وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُتَعَلَّقُ هَذَا السَّتْرِ، وَأَنَّهُ مِنَ النَّارِ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ: مَعْنَى كَوْنِهِ جُنَّةً أَيْ: يَقِي صَاحِبَهُ مَا يُؤْذِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: جُنَّةٌ؛ أَيْ: سُتْرَةٌ، يَعْنِي: بِحَسَبِ مَشْرُوعِيَّتِهِ، فَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَصُونَهُ مِمَّا يُفْسِدُهُ وَيَنْقُصُ ثَوَابَهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ. . . إِلَخْ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ ستره بِحَسَبِ فَائِدَتِهِ وَهُوَ إِضْعَافُ شَهَوَاتِ النَّفْسِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: يَدَعُ شَهْوَتَهُ. . . إِلَخْ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ سُتْرَةٌ بِحَسَبِ مَا يَحْصُلُ مِنَ الثَّوَابِ وَتَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ. وَقَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ: مَعْنَاهُ سُتْرَةٌ مِنَ الْآثَامِ أَوِ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَبِالْأَخِيرِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا كَانَ الصَّوْمُ جُنَّةً مِنَ النَّارِ؛ لِأَنَّهُ إِمْسَاكٌ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَالنَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِالشَّهَوَاتِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِذَا كَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ سَاتِرًا لَهُ مِنَ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ. وَفِي زِيَادَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْغِيبَةَ تَضُرُّ بِالصِّيَامِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنَّ الْغِيبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ وَتُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَأَفْرَطَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: يُبْطِلُهُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ مِنْ مُتَعَمِّدٍ لَهَا ذَاكِرٍ لِصَوْمِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِعْلًا أَوْ قَوْلًا، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَلِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَالْجُمْهُورُ وَإِنْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ إِلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا الْفِطْرَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى تَرْجِيحِ الصِّيَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَقَالَ: حَسْبُكَ بِكَوْنِ الصِّيَامِ جُنَّةً مِنَ النَّارِ فَضْلًا. وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي آخُذْهُ عَنْكَ. قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ: لَا عَدْلَ لَهُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ تَرْجِيحُ الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَرْفُثْ) أَيِ: الصَّائِمُ، كَذَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا، وَفِي الْمُوَطَّأِ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ. . . إِلَخْ وَيَرْفُثُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وَيَجُوزُ فِي مَاضِيهِ التَّثْلِيثُ، وَالْمُرَادُ بِالرَّفَثِ هُنَا، وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْفَاءِ، ثُمَّ الْمُثَلَّثَةِ: الْكَلَامُ الْفَاحِشُ، وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا، وَعَلَى الْجِمَاعِ، وَعَلَى مُقَدِّمَاتِهِ، وَعَلَى ذِكْرِهِ مَعَ النِّسَاءِ أَوْ مُطْلَقًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْهَلْ) أَيْ: لَا يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْجَهْلِ كَالصِّيَاحِ وَالسَّفَهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ: فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يُجَادِلْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ غَيْرَ الصَّوْمِ يُبَاحُ فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ يَتَأَكَّدُ بِالصَّوْمِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنِ امْرُؤٌ) بِتَخْفِيفِ النُّونِ (قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ)، وَفِي رِوَايَةِ صَالِحٍ: فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ وَلِأَبِي قُرَّةَ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ: وَإِنْ شَتَمَهُ إِنْسَانٌ فَلَا يُكَلِّمْهُ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلٍ: فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ مَارَاهُ أَيْ: جَادَلَهُ; وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَجْلَانَ مَوْلَى الْمُشْمَعِلِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ فَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فَاجْلِسْ، وَلِأَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: وَإِنِ امْرُؤٌ جَهِلَ عَلَيْهِ فَلَا يَشْتُمْهُ وَلَا يَسُبَّهُ وَاتَّفَقَ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ: إِنِّي صَائِمٌ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا مَرَّتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدَةٍ.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ظَاهِرُهُ بِأَنَّ