للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَتَحْرِيفٌ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ، وَالصَّوَابُ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَصِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ مَشْهُورٌ فِي الصَّحَابَةِ يُكَنَّى أَبا قَيْسٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِيمَا أَخْرَجَهُ السِّرَاجُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِهِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ قَالَ: قَالَ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَهُوَ يَذْكُرُ النَّبِيَّ ﷺ:

ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً … يُذَكِّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُؤَاتِيَا

الْأَبْيَاتَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَصِرْمَةُ هَذَا هُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ: كُلُوا وَاشْرَبُوا الْآيَةَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أَبُو قَيْسٍ مِمَّنْ فَارَقَ الْأَوْثَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ أَسْلَمَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَهُوَ الْقَائِلُ:

يَقُولُ أَبُو قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيَا … أَلَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتِيَ فَافْعَلُوا

الْأَبْيَاتَ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ (طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ أَطْلُبُ لَك) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ مَعَهُ بِشَيْءٍ، لَكِنْ فِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ أَتَاهَا بِتَمْرٍ فَقَالَ: اسْتَبْدِلِي بِهِ طَحِينًا وَاجْعَلِيهِ سَخِينًا، فَإِنَّ التَّمْرَ أَحْرَقَ جَوْفِي. وَفِيهِ: لَعَلِّي آكُلُهُ سُخْنًا، وَأَنَّهَا اسْتَبْدَلَتْهُ لَهُ وَصَنَعَتْهُ. وَفِي مُرْسَلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: فَقَالَ لِأَهْلِهِ أَطْعِمُونِي. فَقَالَتْ: حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ شَيْئًا سَخِينًا. وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَوْمَهُ) بِالنَّصْبِ (يَعْمَلُ) أَيْ: فِي أَرْضِهِ، وَصَرَّحَ بِهَا أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ. وَفِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ: كَانَ يَعْمَلُ فِي حِيطَانِ الْمَدِينَةِ بِالْأُجْرَةِ، فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: فِي أَرْضِهِ إِضَافَةُ اخْتِصَاصٍ.

قَوْلُهُ: (فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ) أَيْ: نَامَ، ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ عَيْنُهُ بِالْإِفْرَادِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ) بِالنَّصْبِ، وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطلَقٌ مَحْذُوفُ الْعَامِلِ، وَقِيلَ: إِذَا كَانَ بِغَيْرِ لَامٍ يَجِبُ نَصْبُهُ وَإِلَّا جَازَ. وَالْخَيْبَةُ الْحِرْمَانُ، يُقَالُ: خَابَ يَخِيبُ إِذَا لَمْ يَنَلْ مَا طَلَبَ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: فَأَصْبَحَ صَائِمًا، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْغَشْيَ وَقَعَ فِي آخِرِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ النَّهَارِ، وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: فَلَمْ يَطْعَمْ شَيْئًا وَبَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ صَائِمًا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ وَفِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ: فَأَيْقَظْتُهُ، فَكَرِهَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ وَفِي مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى: فَقَالَتْ لَهُ: كُلْ. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ نِمْتُ. فَقَالَتْ: لَمْ تَنَمْ. فَأَبَى، فَأَصْبَحَ جَائِعًا مَجْهُودًا.

قَوْلُهُ: (فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ زَادَ فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ: وَأَتَى عُمَرُ امْرَأَتَهُ وَقَدْ نَامَتْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ.

قَوْلُهُ: (فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَشَرْحِ الْكِرْمَانِيِّ عَلَى ظَاهِرِهَا فَقَالَ: لَمَّا صَارَ الرَّفَثُ وَهُوَ الْجِمَاعُ هُنَا حَلَالًا بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَلِذَلِكَ فَرِحُوا بِنُزُولِهَا وَفَهِمُوا مِنْهَا الرُّخْصَةَ، هَذَا وَجْهُ مُطَابَقَةِ ذَلِكَ لِقِصَّةِ أَبِي قَيْسٍ، قَالَ: ثُمَّ لَمَّا كَانَ حِلُّهُمَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ لِيُعْلَمَ بِالْمَنْطُوقِ تَسْهِيلُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ صَرِيحًا، ثُمَّ قَالَ: أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ هِيَ بِتَمَامِهَا.

قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَبِهِ جَزَمَ السُّهَيْلِيُّ وَقَالَ: إِنَّ الْآيَةَ بِتَمَامِهَا نَزَلَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَقُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِعُمَرَ لِفَضْلِهِ. قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَنَزَلَتْ: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِ: فَفَرِحُوا بِهَا بَعْدُ قَوْلُهُ: ﴿الْخَيْطِ الأَسْوَدِ﴾ وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَلَفْظُهُ: فَنَزَلَتْ ﴿أُحِلَّ لَكُمْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ قِصَّةِ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَعَ بَقِيَّةِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.