للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَلَوْلَا مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ اسْتُشْهِدَ قَبْلَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ لَأَمْكَنَ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ لِقَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ صَائِمًا غَيْرُهُ، وَزَعَمَ مُغَلْطَايْ أَنَّهُ أَبُو إِسْرَائِيلَ وَعَزَا ذَلِكَ لِمُبْهَمَاتِ الْخَطِيبِ، وَلَمْ يَقُلِ الْخَطِيبُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ حَدِيثَ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ، فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَجْلِسَ وَيَصُومَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ هُوَ أَبُو إِسْرَائِيلَ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ، ثُمَّ سَاقَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَيَقُومَ فِي الشَّمْسِ الْحَدِيثَ، فَلَمْ يَزِدِ الْخَطِيبُ عَلَى هَذَا، وَبَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ مُغَايِرَاتٌ ظَاهِرَةٌ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ كَانَ فِي الْحَضَرِ فِي الْمَسْجِدِ، وَصَاحِبُ الْقِصَّةِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَانَ فِي السَّفَرِ تَحْتَ ظِلَالِ الشَّجَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّمَسُّكِ بِالرُّخْصَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، وَكَرَاهَةُ تَرْكِهَا عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ وَالتَّنَطُّعِ.

(تَنْبِيهٌ): أَوْهَمَ كَلَامُ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ أَنَّ قَوْلَهُ ﷺ: عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ مِمَّا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِشَرْطِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ بَقِيَّةٌ فِي الْحَدِيثِ لَمْ يُوصِلْ إِسْنَادَهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، نَعَمْ، وَقَعَتْ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مَوْصُولَةً فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِسَنَدِهِ، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ.

٣٧ - بَاب لَمْ يَعِبْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ

١٩٤٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ

قَوْلُهُ: (بَابٌ لَمْ يَعِبْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ) أَيْ: فِي الْأَسْفَارِ، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَأْكِيدِ مَا اعْتَمَدَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ بَلَغَ حَالَةً يُجْهَدُ بِهَا، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ لَا يُعَابُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ وَلَا الْفِطْرُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) فِي رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ التَّصْرِيحُ بِالْإِخْبَارِ بَيْنَ حُمَيْدٍ، وَأَنَسٍ، وَلَفْظُهُ: عَنْ حُمَيْدٍ خَرَجْتُ فَصُمْتُ فَقَالُوا لِي: أَعِدْ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا أَخْبَرَنِي أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانُوا يُسَافِرُونَ فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، قَالَ حُمَيْدٌ: فَلَقِيتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ فَأَخْبَرَنِي عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ.

قَوْلُهُ: (كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَمَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَهُوَ نَصٌّ رَافِعٌ لِلنِّزَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ): نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِسِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الْفَزَارِيَّ، وَأَبَا ضَمْرَةَ، وَعَبْدَ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيَّ وَغَيْرَهُمْ رَوَوْهُ عَنْ حُمَيْدٍ مِثْلَ مَالِكٍ.

٣٨ - بَاب مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ

١٩٤٨ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى يَدهِ لِيُرِاهُ النَّاسَ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صَامَ