للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كَانَ يلْتَمِسَهَا فَيَلْتَمِسْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي، وَهَذَا السِّيَاقُ يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ مِنْ تَفْسِيرِ السَّبْعِ.

قَوْلُهُ: (أَرَى) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ: أَعْلَمُ، وَالْمُرَادُ أُبْصِرُ مَجَازًا.

قَوْلُهُ: (رُؤْيَاكُمْ) قَالَ عِيَاضٌ: كَذَا جَاءَ بِإِفْرَادِ الرُّؤْيَا، وَالْمُرَادُ مَرَائِيكُمْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رُؤْيَا وَاحِدَةً وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجِنْسَ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: كَذَا رُوِيَ بِتَوْحِيدِ الرُّؤْيَا، وَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ، قَالَ: وَأَفْصَحُ مِنْهُ رُؤَاكُمْ جَمْعُ رُؤْيَا؛ لِيَكُونَ جَمْعًا فِي مُقَابَلَةِ جَمْعٍ.

قَوْلُهُ: (تَوَاطَأَتْ) بِالْهَمْزَةِ أَيْ: تَوَافَقَتْ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: رُوِيَ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَالصَّوَابُ بِالْهَمْزِ، وَأَصْلُهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ بِرِجْلِهِ مَكَانَ وَطْءِ صَاحِبِهِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ الرُّؤْيَا وَجَوَازِ الِاسْتِنَادِ إِلَيْهَا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ، وَسَنَذْكُرُ بَسْطَ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ الرُّؤْيَا فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَيَأْتِي فِي الِاعْتِكَافِ منْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ.

قَوْلُهُ: (سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ وَكَانَ لِي صَدِيقًا، فَقَالَ: اعْتَكَفْنَا) لَمْ يَذْكُرِ الْمَسْئُولَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَةِ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى: تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ، وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ، عَنْ يَحْيَى فِي بَابِ السُّجُودِ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَقُلْتُ: أَلَا تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ فَنَتَحَدَّثَ؟ فَخَرَجَ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَأَفَادَ بَيَانَ سَبَبِ السُّؤَالِ، وَفِيهِ تَأْنِيسُ الطَّالِبِ لِلشَّيْخِ فِي طَلَبِ الِاخْتِلَاءِ بِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِمَّا يُرِيدُ مِنْ مَسْأَلَتِهِ.

قَوْلُهُ: (اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَشْرِ اللَّيَالِي، وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُوصَفَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ لَكِنْ وُصِفَتْ بِالْمُذَكَّرِ عَلَى إِرَادَةِ الْوَقْتِ أَوِ الزَّمَانِ، أَوِ التَّقْدِيرُ الثُّلُثُ، كَأَنَّهُ قَالَ: اللَّيَالِي الْعَشْرُ الَّتِي هِيَ الثُّلُثُ الْأَوْسَطُ مِنَ الشَّهْرِ، وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ: الْعَشْرُ الْوُسُطُ، بِضَمِّ الْوَاوِ وَالسِّينِ، جَمْعُ وُسْطَى، وَيُرْوَى بِفَتْحِ السِّينِ مِثْلُ كُبُرٍ وَكُبْرَى، وَرَوَاهُ الْبَاجِيُّ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْكَانِهَا عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ وَاسِطٍ كَبَازِلٍ وَبَزْلٍ، وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَوْسَطِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: كَانَ يُجَاوِرُ الْعَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الْآتِيَةِ فِي أَوَّلِ الِاعْتِكَافِ: كَانَ يَعْتَكِفُ وَالِاعْتِكَافُ مُجَاوَرَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ يَلْتَمِسُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَبْلَ أَنْ تُبَانَ لَهُ، فَلَمَّا انْقَضَيْنَ أَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَقُوِّضَ، ثُمَّ أُبِينَتْ لَهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ فَأُعِيدَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ: اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ، وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ الْمَذْكُورَةِ وَزَادَ فِيهَا: إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ أَيْ: قُدَّامَكَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَصَفَ الْأَوَّلَ وَالْأَوْسَطَ بِالْمُفْرَدِ وَالْأَخِيرَ بِالْجَمْعِ إِشَارَةً

إِلَى تَصْوِيرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ.

قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الْمَذْكُورَةِ: حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ رِوَايَةَ الْبَابِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ خُطْبَتَهُ وَقَعَتْ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَوَّلُ لَيَالِي اعْتِكَافِهِ الْأَخِيرِ لَيْلَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ مُغَايِرٌ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ