للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ: هُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ لِمَنْ لَهُ كَفَافٌ وَلِمَنْ لَا يُطِيقُ التَّكَسُّبَ، وَعَلَى الْوُجُوبِ لِلْقَادِرِ الَّذِي لَا شَيْءَ عِنْدَهُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إِلَى السُّؤَالِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّكَسُّبِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ فِي تَفْسِيرِ الْجُمُعَةِ. وَأَغْرَبَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ: إِنَّ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةَ ظَاهِرَةٌ فِي إِبَاحَةِ التِّجَارَةِ إِلَّا الْأَخِيرَةَ فَهِيَ إِلَى النَّهْيِ عَنْهَا أَقْرَبُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا﴾ إِلَخْ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ التِّجَارَةَ الْمَذْكُورَةَ مُقَيَّدَةٌ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَمِنْ ثَمَّ أُشِيرَ إِلَى ذَمِّهَا، فَلَوْ خَلَتْ عَنِ الْمُعَارِضِ لَمْ تُذَمَّ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ: وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَمَّا ذِكْرُ التِّجَارَةِ فِيهَا فَقَدْ أَفْرَدَهُ بِتَرْجَمَةٍ تَأْتِي بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَبْوَابٍ، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا تَقْيِيدُ التِّجَارَةِ الْمُبَاحَةِ بِالتَّرَاضِي. وَقَوْلُهُ: أَمْوَالَكُمْ أَيْ: مَالُ كُلِّ إِنْسَانٍ لَا يَصْرِفُهُ فِي مُحَرَّمٍ، أَوِ الْمَعْنَى: لَا يَأْخُذْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ.

وَقَوْلُهُ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ اتِّفَاقًا وَالتَّقْدِيرُ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، لَكِنْ إِنْ حَصَلَتْ بَيْنَكُمْ تِجَارَةٌ وَتَرَاضَيْتُمْ بِهَا فَلَيْسَ بِبَاطِلٍ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا يَتَفَرَّقُ بَيِّعَانِ إِلَّا عَنْ رِضًا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا يَقُولُ لَهُ: خَيِّرْنِي. ثُمَّ يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَفْتَرِقِ اثْنَانِ - يَعْنِي فِي الْبَيْعِ - إِلَّا عَنْ رِضًا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْخِيَارِ قَرِيبًا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ: التِّجَارَةُ رِزْقٌ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ لِمَنْ طَلَبَهَا بِصِدْقِهَا. ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ: الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ) كَذَا فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ: عَنِ الْأَعْرَجِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَطَرِيقُهُ عَنِ الْأَعْرَجِ مُخْتَصَرَةٌ، وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَتَمَّ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُ الْحَدِيثِ هُنَاكَ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَالصَّفْقُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ - وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ بِالسِّينِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا قَافٌ - وَالْمُرَادُ بِهِ التَّبَايُعُ، وَسُمِّيَتِ الْبَيْعَةُ صَفْقَةً لِأَنَّهُمُ اعْتَادُوا عِنْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ ضَرْبَ كَفِّ أَحَدِهِمَا بِكَفِّ الْآخَرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَمْلَاكَ تُضَافُ إِلَى الْأَيْدِي، فَكَأَنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ اسْتَقَرَّتْ عَلَى مَا صَارَ لَهُ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَاطِّلَاعُهُ عَلَيْهِ وَتَقْرِيرُهُ لَهُ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مِلْءِ بَطْنِي) أَيْ: مُقْتَنِعًا بِالْقُوتِ أَيْ: فَلَمْ تَكُنْ لَهُ غَيْبَةٌ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (نَمِرَةً) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ: كِسَاءً مُلَوَّنًا. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هِيَ ثَوْبٌ مُخَطَّطٌ، وَقَالَ الْقَزَّازُ: دُرَّاعَةٌ تُلْبَسُ فِيهَا سَوَادٌ وَبَيَاضٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ بَقِيَّةُ مَبَاحِثِهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ سَاقَ هَذَا الْكَلَامَ الْأَخِيرَ هُنَاكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ.

الحديث الثاني حديث عبد الرحمن بن عوف

قَوْلُهُ: (عَنْ جَدِّهِ) هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْحِمَّانِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَهُوَ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَضَائِلِ الْأَنْصَارِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَى. . . إِلَخْ فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ مُرْسَلٌ، وَقَدْ تَبَيَّنَ لِي بِالطَّرِيقِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ مَوْصُولٌ.

قَوْلُهُ: (آخَى) تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ بَيَانُ وَقْتِ الْمُؤَاخَاةِ فِي قِصَّةِ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ.

قَوْلُهُ: (سَعْدِ