للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ يَقُولُ قال رسول الله ﷺ: "لَانْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ"

٢٠٧٥ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ﵁ قَالَ قال النبي ﷺ: "لَانْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلَهُ"

قَوْلُهُ: (بَابُ كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ) عَطْفُ الْعَمَلَ بِالْيَدِ عَلَى الْكَسْبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَمَلًا بِالْيَدِ أَوْ بِغَيْرِهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَفْضَلِ الْمَكَاسِبِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أُصُولُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ وَالتِّجَارَةُ وَالصَّنْعَةُ، وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَطْيَبَهَا التِّجَارَةُ، قَالَ: وَالْأَرْجَحُ عِنْدِي أَنَّ أَطْيَبَهَا الزِّرَاعَةُ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى التَّوَكُّلِ. وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِحَدِيثِ الْمِقْدَامِ الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ أَطْيَبَ الْكَسْبِ مَا كَانَ بِعَمَلِ الْيَدِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ زِرَاعًا فَهُوَ أَطْيَبُ الْمَكَاسِبِ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ عَمَلَ الْيَدِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّوَكُّلِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْعَامِّ لِلْآدَمِيِّ وَلِلدَّوَابِّ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُوكَلَ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ.

قُلْتُ: وَفَوْقَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْيَدِ مَا يُكْتَسَبُ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِالْجِهَادِ، وَهُوَ مَكْسَبُ النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَكَاسِبِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخِذْلَانِ كَلِمَةِ أَعْدَائِهِ، وَالنَّفْعِ الْأُخْرَوِيِّ، قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِيَدِهِ فَالزِّرَاعَةُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا. قُلْتُ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بُحِثَ فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي، وَلَمْ يَنْحَصِرِ النَّفْعُ الْمُتَعَدِّي فِي الزِّرَاعَةِ بَلْ كُلُّ مَا يُعْمَلُ بِالْيَدِ فَنَفْعُهُ مُتَعَدٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَهْيِئَةِ أَسْبَابِ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفُ الْمَرَاتِبِ، وَقَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إِنَّمَا يَفْضُلُ عَمَلُ الْيَدِ سَائِرَ الْمَكَاسِبِ إِذَا نَصَحَ الْعَامِلُ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. قُلْتُ: وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ أَنَّ الرِّزْقَ مِنَ الْكَسْبِ بَلْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ، وَمِنْ فَضْلِ الْعَمَلِ بِالْيَدِ الشُّغْلُ بِالْأَمْرِ الْمُبَاحِ عَنِ الْبَطَالَةِ وَاللَّهْوِ، وَكَسْرُ النَّفْسِ بِذَلِكَ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذِلَّةِ السُّؤَالِ وَالْحَاجَةِ إِلَى الْغَيْر، ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ أَوَّلُهَا فِي التِّجَارَةِ، وَالثَّانِي فِي الزِّرَاعَةِ، وَالثَّالِثُ وَمَا بَعْدَهُ فِي الصَّنْعَةِ، الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي) أَيْ: قُرَيْشٌ وَالْمُسْلِمُونَ.

قَوْلُهُ: (حِرْفَتِي) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ: جِهَةَ اكْتِسَابِي، وَالْحِرْفَةُ جِهَةُ الِاكْتِسَابِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَعَاشِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ كَسُوبًا لِمُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ بِالتِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ عَجْزٍ، تَمْهِيدًا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِذَارِ عَمَّا يَأْخُذُهُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَشُغِلْتُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ: أنَّ الْقِيَامَ بِأُمُورِ الْخِلَافَةِ شَغَلَهُ عَنِ الِاحْتِرَافِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ: انْظُرُوا مَاذَا فِي مَالِي مُنْذُ دَخَلَتِ الْإِمَارَةُ فَابْعَثُوا بِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ بَعْدِي. قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ نَظَرْنَا فَإِذَا عَبْدٌ نُوبِيٌّ كَانَ يَحْمِلُ صِبْيَانَهُ، وَنَاضِحٌ كَانَ يَسْقِي بُسْتَانًا لَهُ، فَبَعَثْنَا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: رَحْمَتُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ وَزَادَ: إِنَّ الْخَادِمَ كَانَ صَيْقَلًا يَعْمَلُ سُيُوفَ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْدُمُ آلَ أَبِي بَكْرٍ وَمِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ وَفِيهِ: قَدْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أُوَفِّرَ مَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كُنْتُ أَصَبْتُ مِنَ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَفِيهِ: وَمَا كَانَ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مَا كَانَ إِلَّا خَادِمٌ وَلِقْحَةٌ وَمِحْلَبٌ.

قَوْلُهُ: (آلُ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ: هُوَ نَفْسُهُ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. وَقِيلَ: أَرَادَ نَفْسَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَحْتَرِفُ