للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِالْبَيْعِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عُمَرَ: هُوَ لَكَ أَيْ: هِبَةً، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا.

قُلْتُ: وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَاشْتَرَاهُ وَسَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ، فَعَلَى هَذَا فَهُوَ بَيْعٌ، وَكَوْنُ الثَّمَنِ لَمْ يُذْكَرْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هِبَةً مَعَ التَّصْرِيحِ بِالشِّرَاءِ، وَكَمَا لَمْ يَذْكُرِ الثَّمَنَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ الْمُشْتَرَطُ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ سَاقَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا سَاقَهُ أَوَّلًا، وَسَوْقُهُ قَبْضٌ لَهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ) جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْهِبَةِ أَصْلًا أَلْحَقَ بِهَا مَسْأَلَةَ الْعِتْقِ لِوُجُودِ النَّصِّ فِي مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ دُونَ الْعِتْقِ، وَالشَّافِعِيَّةُ نَظَرُوا إِلَى الْمَعْنَى فِي أَنَّ لِلْعِتْقِ قُوَّةً وَسِرَايَةً لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ، وَمَنْ أَلْحَقَ بِهِ مِنْهُمُ الْهِبَةَ قَالَ: إِنَّ الْعِتْقَ إِتْلَافٌ لِلْمَالِيَّةِ وَالْإِتْلَافُ قَبْضٌ، فَكَذَلِكَ الْهِبَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ طَاوُسٌ فِيمَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا، ثُمَّ بَاعَهَا وَجَبَتْ لَهُ وَالرِّبْحُ لَهُ) وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ، وَزَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَعَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ إِذَا بِعْتَ شَيْئًا عَلَى الرِّضَا فَإِنَّ الْخِيَارَ لَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا عَنْ رِضًا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ بِإِسْنَادِ الْبُخَارِيِّ قَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَجَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ بِأَنَّهُ عَلَّقَهُ، وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مَوْصُولًا فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ وَفِي مُسْتَخْرَجِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَسَيَأْتِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُفْيَانَ فِي الْهِبَةِ مَوْصُولًا.

قَوْلُهُ: (فِي سَفَرٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى بَكْرٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ: وَلَدُ النَّاقَةِ أَوَّلَ مَا يُرْكَبُ.

قَوْلُهُ: (صَعْبٍ) أَيْ: نَفُورٌ.

قَوْلُهُ: (فَبَاعَهُ) زَادَ فِي الْهِبَةِ: فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ ثُمَّ قَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنْ تَوْقِيرِهِمْ لِلنَّبِيِّ وَأَنْ لَا يَتَقَدَّمُوهُ فِي الْمَشْيِ، وَفِيهِ جَوَازُ زَجْرِ الدَّوَابِّ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ عَرْضُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ بِسِلْعَتِهِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ فِي بَيْعِهَا، وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ بَدَلِ الثَّمَنِ، وَمُرَاعَاةُ النَّبِيِّ أَحْوَالَ الصَّحَابَةِ وَحِرْصُهُ عَلَى مَا يُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السُّرُورَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّيْثُ) وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ زَنْجُوَيْهِ، وَالرَّمَادِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ بِهِ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ فَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا أَنَّ أَبَا صَالِحٍ رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ كَذَلِكَ، فَوَضَحَ أَنَّ لِلَّيْثِ فِيهِ شَيْخَيْنِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ سُوَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

قَوْلُهُ: (بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَالًا) أَيْ: أَرْضًا أَوْ عَقَارًا.

قَوْلُهُ: (بِالْوَادِ) يَعْنِي: وَادِيَ الْقُرَى.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبَيَّ) فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ: فَطَفِقْتُ أَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيَّ الْقَهْقَرَى.

قَوْلُهُ: (يُرَادَّنِي) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَصْلُهُ يُرَادِدُنِي أَيْ: يَطْلُبُ مِنِّي اسْتِرْدَادَهُ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا) يَعْنِي: أَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَجِبَ لَهُ الْبَيْعُ وَلَا يَبْقَى لِعُثْمَانَ خِيَارٌ فِي فَسْخِهِ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ بَطَّالٍ بِقَوْلِهِ: وَكَانَتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَأَمَّا فِي الزَّمَنِ الَّذِي فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ فَكَانَ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ مَتْرُوكًا، فَلِذَلِكَ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الِاتِّبَاعِ، هَكَذَا قَالَ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: وَكَانَتِ السُّنَّةُ مَا يَنْفِي اسْتِمْرَارَهَا. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ: كُنَّا إِذَا تَبَايَعْنَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقِ الْمُتَبَايِعَانِ، فَتَبَايَعْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا إِشْعَارٌ بِاسْتِمْرَارِ ذَلِكَ، وَأَغْرَبَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَهُ فَزَعَمَ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: لَيْسَتِ السُّنَّةُ بِافْتِرَاقِ الْأَبَدَانِ، قَدِ انْتَسَخَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ أَرَ لَهَا إِسْنَادًا، وَلَوْ صَحَّتْ لَمْ تُخَرَّجِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ