للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ: لِلْإِشْعَارِ بِالْأُنُوثَةِ وَقَدْ نَدَرَ فِيهِ امْرَأَةٌ حَابِلَةٌ فَالْهَاءُ فِيهِ لِلتَّأْنِيثِ، وَقِيلَ: حَبَلَةٌ مَصْدَرٌ يُسَمَّى بِهِ الْمَحْبُولُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يُقَالُ لِشَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ حَبِلَتْ إِلَّا الْآدَمِيَّاتِ إِلَّا مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

وَأَثْبَتَهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ قَوْلًا، فَقَالَ: اخْتُلِفَ أَهِيَ لِلْإِنَاثِ عَامَّةً أَمْ لِلْآدَمِيَّاتِ خَاصَّةً، وَأَنْشَدَ فِي التَّعْمِيمِ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

أَوْ ذِيَخَةٌ حُبْلَى مُجِحٌّ مُقْرِبُ

وَفِي ذَلِكَ تَعَقُّبٌ عَلَى نَقْلِ النَّوَوِيِّ اتِّفَاقَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى التَّخْصِيصِ. ثُمَّ إِنَّ عَطْفَ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ عَلَى بَيْعِ الْغَرَرِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ بَيْعَ الْغَرَرِ صَرِيحًا، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ: لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ. وَشِرَاءُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْغَرَرِ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ وَالْمَعْدُومُ وَالْمَجْهُولُ وَالْآبِقُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْبَيْعِ فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا مَا يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ تَبَعًا فَلَوْ أُفْرِدَ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ، وَالثَّانِي مَا يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ إِمَّا لِحَقَارَتِهِ أَوْ لِلْمَشَقَّةِ فِي تَمْيِيزِهِ وَتَعْيِينِهِ، فَمِنَ الْأَوَّلِ بَيْعُ أَسَاسِ الدَّارِ، وَالدَّابَّةِ الَّتِي فِي ضَرْعِهَا اللَّبَنُ، وَالْحَامِلِ، وَمِنَ الثَّانِي الْجُبَّةُ الْمَحْشُوَّةُ وَالشُّرْبُ مِنَ السِّقَاءِ، قَالَ: وَمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي كَوْنِهِ حَقِيرًا أَوْ يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ أَوْ تَعْيِينُهُ فَيَكُونُ الْغَرَرُ فِيهِ كَالْمَعْدُومِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَبِالْعَكْسِ، وَقَالَ: وَمِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنَ الِاسْتِجْرَارِ مِنَ الْأَسْوَاقِ بِالْأَوْرَاقِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ حَاضِرًا، فَيَكُونُ مِنَ الْمُعَاطَاةِ وَلَمْ تُوجَدْ صِيغَةٌ يَصِحُّ بِهَا الْعَقْدُ، وَرَوَى الطَّبَرِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ: لَا أَعْلَمُ بِبَيْعِ الْغَرَرِ بَأْسًا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ، وَإِلَّا فَكُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ لَا يُوجَدَ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لَا يَصِحُّ غَالِبًا، فَإِنْ كَانَ يَصِحُّ غَالِبًا كَالثَّمَرَةِ فِي أَوَّلِ بُدُوِّ صَلَاحِهَا أَوْ كَانَ مُسْتَتِرًا تَبَعًا كَالْحَمْلِ مَعَ الْحَامِلِ جَازَ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ سِيرِينَ، لَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ إِذَا كَانَ عِلْمُهُمَا فِيهِ وَاحِدًا. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى بَيْعَ الْغَرَرِ إِنْ سَلِمَ فِي الْمَآلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ) أَيْ: بَيْعُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ (بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ. . . إِلَخْ) كَذَا وَقَعَ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي الْمُوَطَّأِ مُتَّصِلًا بِالْحَدِيثِ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَهُوَ مُدْرَجٌ يَعْنِي أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ، وَكَذَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ فِي الْمُدْرَجِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ السَّلَمِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيِّ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ نَافِعًا هُوَ الَّذِي فَسَّرَهُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ نَافِعٍ فَسَرَّهُ لِجُوَيْرِيَةَ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ التَّفْسِيرُ مِمَّا حَمَلَهُ عَنْ مَوْلَاهُ ابْنِ عُمَرَ، فَسَيَأْتِي فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لَحْمَ الْجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ تَحْمِلُ الَّتِي نَتَجَتْ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِهَذَا جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِدُونِ التَّفْسِيرِ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِدُونِ التَّفْسِيرِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (الْجَزُورَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّ الزَّايِ هُوَ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، إِلَّا أَنَّ لَفْظَهُ مُؤَنَّثٌ تَقُولُ: هَذِهِ الْجَزُورُ وَإِنْ أَرَدْتَ ذَكَرًا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ قَيْدًا فِيمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَهُ فَلَا يَتَبَايَعُونَ هَذَا الْبَيْعَ إِلَّا فِي الْجَزُورِ أَوْ لَحْمِ الْجَزُورِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَزُورِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (إِلَى أَنْ