للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَأَمَّا الْمُلَامَسَةُ وَالْمُنَابَذَةُ عِنْدَ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُمَا فَلَا يَخُصُّهُمَا بِذَلِكَ.

فَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ بَيْعُ الْمُعَاطَاةِ مَعَ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمُعَاطَاةِ، فَلِمَنْ يُجِيزُ بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ أَنْ يَخُصَّ النَّهْيَ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ عَمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ فِيهِ بِالْمُعَاطَاةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ: إِنَّ الْأَئِمَّةَ أَجْرَوْا فِي بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْمُعَاطَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَأْخَذُ الثَّالِثِ شَرْطُ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِس، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ هِيَ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ، وَنُخْرِجُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمُنَابَذَةُ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا أَيْضًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالِ، وَهِيَ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ أَصَحُّهَا: أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ النَّبْذِ بَيْعًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُلَامَسَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ، لِلتَّفْسِيرِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَالثَّانِي أَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا بِغَيْرِ صِيغَةٍ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ قَاطِعًا لِلْخِيَارِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النَّبْذِ فَقِيلَ: هُوَ طَرْحُ الثَّوْبِ كَمَا وَقَعَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَقِيلَ: هُوَ نَبْذُ الْحَصَاةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُهُ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ بَيْعِ الْحَصَاةِ فَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ وَيَرْمِي حَصَاةً، أَوْ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ فِي الرَّمْيِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ إِلَى أَنْ يَرْمِيَ الْحَصَاةَ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بَيْعًا.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: لَمْسُ الثَّوْبِ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ إِذَا رَآهُ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَعَنْ مَالِكٍ يَصِحُّ إِنْ وَصَفَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ، وَاخْتَارَهُ الْبَغَوِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفَاصِيلِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ الَّتِي قَدَّمْتُهَا: لَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَلَا يُخْبِرُونَ عَنْهَا وَفِي الِاسْتِدْلَالِ لِذَلِكَ وِفَاقًا وَخِلَافًا طُولٌ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْأَعْمَى مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ مُعْظَمِ الشَّافِعِيَّةِ حَتَّى مَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ بَيْعَ الْغَائِبِ لِكَوْنِ الْأَعْمَى لَا يَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ مَعَ اشْتِرَاطِ نَفْيِ الْخِيَارِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ إِذَا وَصَفَهُ لَهُ غَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ مُطْلَقًا عَلَى تَفَاصِيلَ عِنْدَهُمْ أَيْضًا.

(تَنْبِيهَاتٌ): الْأَوَّلُ: وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ بَعْدُ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ: فَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَسُفْيَانُ، وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ، وَيُونُسُ، وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَرَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ بَعْضَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَلَى أَنَّهَا كُلَّهَا عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، وَاقْتَصَرَ مُسْلِمٌ عَلَى طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَحْدَهُ وَأَعْرَضَ عَمَّا سِوَاهَا; وَقَدْ خَالَفَهُمْ كُلَّهُمْ الزُّبَيْدِيُّ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَخَالَفَهُمْ أَيْضًا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَهِيَ بُيُوعٌ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَخْرَجَهُمَا النَّسَائِيُّ وَخَطَّأَ رِوَايَةَ جَعْفَرٍ.

الثَّالِثُ حَدِيثُ: أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ ثَالِثُهَا: طَرِيقُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْهُ، وَهُوَ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عَنْهُ تَفْسِيرَ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ، وَقَدْ وَقَعَ تَفْسِيرُهُمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَالنَّسَائِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَظَاهِرُ الطُّرُقِ كُلِّهَا أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ مَنْ دُونَ النَّبِيِّ ﷺ وَلَفْظُهُ: وَزَعَمَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ أَنْ يَقُولَ. . . إِلَخْ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ لِبُعْدِ أَنْ يُعَبِّرَ الصَّحَابِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِلَفْظِ زَعَمَ، وَلِوُقُوعِ التَّفْسِيرِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ.

الرَّابِعُ: وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى هُنَا نَهَى عَنْ لُبْسَتَيْنِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى لُبْسَةٍ