للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْجَارِيَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُصَرَّاةُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (الَّتِي صُرِّيَ لَبَنُهَا وَحُقِنَ فِيهِ) أَيْ: فِي الثَّدْيِ) (وَجُمِعَ فَلَمْ يُحْلَبْ) وَعَطْفُ الْحَقْنِ عَلَى التَّصْرِيَةِ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ.

قَوْلُهُ: (وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ يُقَالُ: مِنْهُ صَرَيْتُ الْمَاءَ إِذَا حَبَسْتُهُ) وَهَذَا التَّفْسِيرُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ رَبْطُ أَخْلَافِ النَّاقَةِ أَوِ الشَّاةِ وَتَرْكُ حَلْبِهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ لَبَنُهَا فَيَكْثُرَ، فَيَظُنَّ الْمُشْتَرِي أَنَّ ذَلِكَ عَادَتُهَا فَيَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا لِمَا يَرَى مِنْ كَثْرَةِ لَبَنِهَا.

قَوْلُهُ: (لَا تُصَرُّوا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ بِوَزْنِ تُزَكُّوا يُقَالُ: صَرَّى يُصَرِّي تَصْرِيَةً كَزَكَّى يُزَكِّي تَزْكِيَةً.

وَالْإِبِلَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ مَنْ صَرَّيْتُ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ إِذَا جَمَعْتُهُ وَلَيْسَ مِنْ صَرَرْتُ الشَّيْءَ إِذَا رَبَطْتُهُ، إِذْ لَوْ كَانَ مِنْهُ لَقِيلَ: مَصْرُورَةٌ أَوْ مُصَرَّرَةٌ وَلَمْ يُقَلْ مُصَرَّاةٌ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ سُمِعَ الْأَمْرَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. قَالَ الْأَغْلَبُ:

رَأَتْ غُلَامًا قَدْ صَرَى فِي فِقْرَتِهِ … مَاءَ الشَّبَابِ عُنْفُوَانَ سِيرَتِهِ

وَقَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ:

فَقُلْتُ لِقَوْمِي هَذِهِ صَدَقَاتكُمْ … مُصَرَّرَةٌ أَخْلَافُهَا لَمْ تُحَرَّرِ

وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ لَكِنْ بِغَيْرِ وَاوٍ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ) لَمْ يَذْكُرِ الْبَقَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي التَّرْجَمَةِ، وَظَاهِرُ النَّهْيِ تَحْرِيمُ التَّصْرِيَةِ سَوَاءٌ قُصِدَ التَّدْلِيسُ أَمْ لَا، وَسَيَأْتِي فِي الشُّرُوطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَهَى عَنِ التَّصْرِيَةِ وَبِهَذَا جَزَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَعَلَّلَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْحَيَوَانِ لَكِنْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ بِلَفْظِ: لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ لِلْبَيْعِ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كَثِيرٍ السُّحَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِذَا بَاعَ أَحَدُكُمُ الشَّاةَ أَوِ اللِّقْحَةَ فَلَا يُحَفِّلْهَا وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ تَعْلِيلُ الْأَكْثَرِ بِالتَّدْلِيسِ، وَيُجَابُ عَنِ التَّعْلِيلِ بِالْإِيذَاءِ بِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَسِيرٌ لَا يَسْتَمِرُّ فَيُغْتَفَرُ لِتَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ.

قَوْلُهُ: (فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ) أَيْ: مَنِ اشْتَرَاهَا بَعْدَ التَّحْفِيلِ، زَادَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَابْتِدَاءُ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ بَيَانِ التَّصْرِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَقِيلَ: مِنَ التَّفَرُّقِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْغَرَرُ أَوْسَعَ مِنَ الثَّلَاثِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إِذَا تَأَخَّرَ ظُهُورُ التَّصْرِيَةِ إِلَى آخِرِ الثَّلَاثِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ تُحْسَبَ الْمُدَّةُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْفَسْخِ وَذَلِكَ يُفَوِّتُ مَقْصُودَ التَّوَسُّعِ بِالْمُدَّةِ.

قَوْلُهُ: (بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) أَيِ: الرَّأْيَيْنِ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَحْتَلِبْهَا) كَذَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ بِكَسْرِ أَنْ عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَجَزْمِ يَحْتَلِبْهَا، وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أُسَيْدِ بْنِ مُوسَى، عَنِ اللَّيْثِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا بِفَتْحِ أَنْ وَنَصْبِ يَحْتَلِبَهَا، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَوْ لَمْ يَحْلِبْ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتِ التَّصْرِيَةُ لَا تُعْرَفُ غَالِبًا إِلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ ذَكَرَ قَيْدًا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ، فَلَوْ ظَهَرَتِ التَّصْرِيَةُ بِغَيْرِ الْحَلْبِ فَالْخِيَارُ ثَابِتٌ.

قَوْلُهُ: (إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فِي آخِرِ الْبَابِ: إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا أَيْ: أَبْقَاهَا عَلَى مِلْكِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي صِحَّةَ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَإِثْبَاتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، فَلَوِ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ الرِّضَا بِالتَّصْرِيَةِ فَرَدَّهَا هَلْ يَلْزَمُ الصَّاعُ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وُجُوبُ الرَّدِّ، وَنَقَلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرُدُّ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلَانِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا) فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الْفَوْرِ وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْعُيُوبِ، لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَى