للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَسُولُ اللَّهِ كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ، قَالَ: فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَدِيَةٍ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، عَنْ سَلْمَانَ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو أَحْمَدَ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بِمَعْنَاهُ.

(تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ: كَانَ حُرًّا فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ لَخَّصَهُ مِنْ قِصَّتِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي عَلَّقَهُ، وَظَنَّ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ لِسَلْمَانَ: كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ فَقَالَ: قَوْلُهُ: وَكَانَ حُرًّا حَالٌ، مِنْ قَالَ النَّبِيُّ، لَا مِنْ قَوْلِهِ: كَاتِبْ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ أَمَرَهُ بِالْكِتَابَةِ وَهُوَ حُرٌّ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِتَابَةِ صُورَتَهَا لَا حَقِيقَتَهَا، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ افْدِ نَفْسَكَ وَتَخَلَّصْ مِنَ الظُّلْمِ، كَذَا قَالَ، وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَكَانَ حُرًّا، مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ لَا يَتَعَيَّنُ مِنْهُ حَمْلُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمَجَازِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَكَانَ حُرًّا، أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَلَدِهِ، فَيَقَعَ فِي أَسْرِ الَّذِينَ ظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ تَقْرِيرُ أَحْكَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا أَقَرَّ الْيَهُودِيَّ عَلَى تَصَرُّفِهِ فِي سَلْمَانَ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ لَمْ يَكُنْ سَلْمَانُ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَإِنَّمَا كَانَ قَدْ تَنَصَّرَ، وَحُكْمُ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَنْ غَلَبَ مِنَ الْكُفَّارِ عَلَى نَفْسِ غَيْرِهِ أَوْ مَالِهِ وَلَمْ يَكُنِ الْمَغْلُوبُ فِيمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْغَالِبِ.

قَوْلُهُ: (وَسُبِيَ عَمَّارٌ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ) أَمَّا قِصَّةُ سَبْيِ عَمَّارٍ فَمَا ظَهَرَ لِي الْمُرَادُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ عَمَّارًا كَانَ عَرَبِيًّا عَنْسِيًّا بِالنُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ، مَا وَقَعَ عَلَيْهِ سَبْيٌ، وَإِنَّمَا سَكَنَ أَبُوهُ يَاسِرٌ مَكَّةَ وَحَالَفَ بَنِي مَخْزُومٍ، فَزَوَّجُوهُ سُمَيَّةَ وَهِيَ مِنْ مَوَالِيهِمْ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَمَّارًا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْرِكُونَ عَامَلُوا عَمَّارًا مُعَامَلَةَ السَّبْيِ؛ لِكَوْنِ أُمِّهِ مِنْ مَوَالِيهِمْ دَاخِلًا فِي رِقِّهِمْ. وَأَمَّا صُهَيْبٌ فَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهُ مِنَ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، وَكَانَ عَامِلًا لِكِسْرَى، فَسَبَتِ الرُّومُ صُهَيْبًا لَمَّا غَزَتْ أَهْلَ فَارِسَ، فَابْتَاعَهُ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَقِيلَ: بَلْ هَرَبَ مِنَ الرُّومِ إِلَى مَكَّةَ فَحَالَفَ ابْنَ جُدْعَانَ، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى قِصَّتِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الثَّالِثِ. وَأَمَّا بِلَالٌ فَقَالَ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: كَانَ بِلَالٌ لِأَيْتَامِ أَبِي جَهْلٍ، فَعَذَّبَهُ، فَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا فَقَالَ: اشْتَرِ لِي بِلَالًا، فَأَعْتَقَهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ، لِلْعَبَّاسِ: اشْتَرِ لِي بِلَالًا فَاشْتَرَاهُ، فَأَعْتَقَهُ أَبُو بَكْرٍ وَفِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ، بِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَهُوَ يُعَذِّبُ بِلَالًا فَقَالَ: أَلَّا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذَا الْمِسْكِينِ؟ قَالَ: أَنْقِذْهُ أَنْتَ مِمَّا تَرَى، فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ غُلَامًا أَجْلَدَ مِنْهُ وَأَخَذَ بِلَالًا فَأَعْتَقَهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ أُمَيَّةَ، وَأَبِي جَهْلٍ كَانَ يُعَذِّبُ بِلَالًا، وَلَهُمَا شَوْبٌ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ الْآيَةَ) مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ فَأَثْبَتَ لَهُمْ مِلْكَ الْيَمِينِ مَعَ كَوْنِ مِلْكِهِمْ غَالِبًا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: مَقْصُودُهُ صِحَّةُ مِلْكِ الْحَرْبِيِّ وَمِلْكِ الْمُسْلِمِ عَنْهُ، وَالْمُخَاطَبُ فِي الْآيَةِ الْمُشْرِكُونَ، وَالتَّوْبِيخُ الَّذِي وَقَعَ لَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَامَلُوا بِهِ أَصْنَامَهُمْ مِنَ التَّعْظِيمِ وَلَمْ يُعَامِلُوا رَبَّهُمْ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ غَرَضِ هَذَا الْبَابِ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ، أَحَدُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَسَارَةَ مَعَ الْجَبَّارِ، وَفِيهِ أَنَّهُ أَعْطَاهَا هَاجَرَ، وَوَقَعَ هُنَا آجَرُ بِهَمْزَةٍ بَدَلَ الْهَاءِ، وَقَوْلُهُ: كَبَتَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ، أَيْ: أَخْزَاهُ، وَقِيلَ: رَدَّهُ خَائِبًا، وَقِيلَ: أَحْزَنَهُ، وَقِيلَ: صَرَعَهُ، وَقِيلَ: صَرَفَهُ، وَقِيلَ: أَذَلَّهُ، حَكَاهَا كُلَّهَا ابْنُ التِّينِ، وَقَالَ: إِنَّهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَقِيلَ: أَصْلُ كَبَتَ: كَبَدَ، أَيْ: بَلَغَ الْهَمُّ كَبِدَهُ، فَأُبْدِلَتِ الدَّالُ مُثَنَّاةً. وَقَوْلُهُ: أَخْدَمَ، أَيْ: مَكَّنَ مِنَ الْخِدْمَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ قَوْلُ الْكَافِرِ: أَعْطُوهَا هَاجَرَ وَقَبُولُ سَارَةَ مِنْهُ، وَإِمْضَاءُ إِبْرَاهِيمَ ذَلِكَ، فَفِيهِ صِحَّةُ هِبَةِ الْكَافِرِ.

ثَانِيهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ