للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، وَالسَّقَبُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالصَّادِ أَيْضًا وَيَجُوزُ فَتْحُ الْقَافِ وَإِسْكَانُهَا: الْقُرْبُ وَالْمُلَاصَقَةُ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ، يُنْتَظَرُ بِهِ إِذَا كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى إِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، وَأَوَّلَهُ غَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّرِيكُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ شَرِيكَ سَعْدٍ فِي الْبَيْتَيْنِ، وَلِذَلِكَ دَعَاهُ إِلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ، قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ مَا يَقْتَضِي تَسْمِيَةَ الشَّرِيكِ جَارًا، فَمَرْدُودٌ؛ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَارَبَ شَيْئًا قِيلَ لَهُ: جَارٌ، وَقَدْ قَالُوا لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ: جَارَةٌ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُخَالَطَةِ، انْتَهَى.

وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ يَمْلِكُ بَيْتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ سَعْدٍ، لَا شِقْصًا شَائِعًا مِنْ مَنْزِلِ سَعْدٍ، وَذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ أَنَّ سَعْدًا كَانَ اتَّخَذَ دَارَيْنِ بِالْبَلَاطِ مُتَقَابِلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، وَكَانَتِ الَّتِي عَنْ يَمِينِ الْمَسْجِدِ مِنْهُمَا لِأَبِي رَافِعٍ، فَاشْتَرَاهَا سَعْدٌ مِنْهُ. ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْبَابِ، فَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ سَعْدًا كَانَ جَارًا لِأَبِي رَافِعٍ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ دَارَهُ لَا شَرِيكًا. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ الْقَائِلِينَ بِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَنْ يَقُولُوا بِشُفْعَةِ الْجَارِ؛ لِأَنَّ الْجَارَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجَاوِرِ مَجَازٌ فِي الشَّرِيكِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ، وَقَدْ قَامَتِ الْقَرِينَةُ هُنَا عَلَى الْمَجَازِ فَاعْتُبِرَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثَيْ جَابِرٍ، وَأَبِي رَافِعٍ، فَحَدِيثُ جَابِرٍ صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِيكِ، وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ مَصْرُوفُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجَارُ أَحَقَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى مِنَ الشَّرِيكِ، وَالَّذِينَ قَالُوا بِشُفْعَةِ الْجَارِ قَدَّمُوا الشَّرِيكَ مُطْلَقًا ثُمَّ الْمُشَارِكَ فِي الطَّرِيقِ. ثُمَّ الْجَارَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُجَاوِرٍ، فَعَلَى هَذَا فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَى الْفَضْلِ أَوِ التَّعَهُّدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ أَيْضًا، بِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِمَعْنًى مَعْدُومٍ فِي الْجَارِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّرِيكَ رُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ فَتَأَذَّى بِهِ، فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى مُقَاسَمَتِهِ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الضَّرَرُ بِنَقْصِ قِيمَةِ مِلْكِهِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمَقْسُومِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٣ - بَاب أَيُّ الْجِوَارِ أَقْرَبُ

٢٢٥٩ - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح

وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا.

[الحديث ٢٢٥٩ - طرفاه في: ٢٥٩٥، ٦٠٢٠]

قَوْلُهُ: (بَابٌ أَيُّ الْجِوَارِ أَقْرَبُ) كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ لَفْظَ الْجَارِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ لَيْسَ عَلَى مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ) هُوَ ابْنُ مِنْهَالٍ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ، لِحَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِوَاسِطَةٍ، وَاشْتَرَكَا فِي الرِّوَايَةِ عَنْ شُعْبَةَ، لَكِنَّهُ سَمِعَ مِنَ ابْنِ مِنْهَالٍ دُونَ ابْنِ مُحَمَّدٍ.

قَوْلُهُ: (وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ وَكَرِيمَةَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلِابْنِ شَبَّوَيْهِ، عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ. وَرَجَّحَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ اللَّبَقِيُّ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا قَافٌ، وَبِهِ جَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ، وَابْنُ طَاهِرٍ، وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَنْسُبْهُ وَإِنَّمَا نَسَبَهُ مَنْ نَسَبَهُ مِنَ الرُّوَاةِ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَنْ يَكُونُ أَشْهَرَ، وَابْنُ الْمَدِينِيِّ أَشْهَرُ مِنَ اللَّبَقِيِّ، وَمِنْ عَادَةِ الْبُخَارِيِّ إِذَا أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ إِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ.

(تَنْبِيهٌ): سَاقَ الْمَتْنَ هُنَا عَلَى لَفْظِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ