للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَدْ بَرِئْتُ فَمَا فِي الصَّدْرِ مِنْ قَلَبَهْ.

وَفِي نُسْخَةِ الدِّمْيَاطِيِّ بِخَطِّهِ: قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْقَلَبَةُ دَاءٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقُلَابِ، يَأْخُذُ الْبَعِيرَ فَيَأْلَمُ قَلْبُهُ فَيَمُوتُ مِنْ يَوْمِهِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ الَّذِي رَقَى) بِفَتْحِ الْقَافِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ: فَلَمَّا قَبَضْنَا الْغَنَمَ عَرَضَ فِي أَنْفُسِنَا مِنْهَا شَيْءٌ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ: فَأَمَرَ لَنَا بِثَلَاثِينَ شَاةً وَسَقَانَا لَبَنًا. وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ: فَبُعِثَ إِلَيْنَا بِالشِّيَاهِ وَالنُّزُلِ فَأَكَلْنَا الطَّعَامَ، وَأَبَوْا أَنْ يَأْكُلُوا الْغَنَمَ حَتَّى أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ تَنَاوُلِهَا هُوَ الرَّاقِي، وَأَمَّا فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ فَأَبْهَمَهُ.

قَوْلُهُ: (فَنَنْطُرُ مَا يَأْمُرُنَا) أَيْ: فَنَتَّبِعُهُ، وَلَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُمْ يُخَيَّرُونَ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ وَمَا أَدْرَاكَ، وَقَدْ رُوِيَ كَذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ هُوَ الْمَحْفُوظُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ: إِذَا قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ فَلَمْ يُعْلَمْ، وَإِذَا قَالَ: وَمَا أَدْرَاكَ فَقَدْ أُعْلِمَ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِيمَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الصِّيَامِ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اللُّغَةِ أَيْ: فِي نَفْيِ الدِّرَايَةِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ: وَمَا أَدْرَاكَ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ: وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ وَتُسْتَعْمَلُ فِي تَعْظِيمِ الشَّيْءِ أَيْضًا، وَهُوَ لَائِقٌ هُنَا، زَادَ شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ: وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُ نَهْيًا أَيْ مِنَ النَّبِيِّ عَنْ ذَلِكَ، وَزَادَ سُلَيْمَانُ بْنُ قَتَّةَ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ: قُلْتُ: أُلْقِيَ فِي رُوعِي. وللدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَيْءٌ أُلْقِيَ فِي رُوعِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مُتَقَدِّمٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ الرُّقَى بِالْفَاتِحَةِ، وَلِهَذَا قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ لَمَّا رَجَعَ: مَا كُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَوَّبَ فِعْلَهُمْ فِي الرُّقْيَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ فِي تَوَقُّفِهِمْ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي الْجُعْلِ حَتَّى اسْتَأْذَنُوهُ، وَيَحْتَمِلُ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا) أَيِ: اجْعَلُوا لِي مِنْهُ نَصِيبًا، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَأْنِيسِهِمْ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي قِصَّةِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ) هَذِهِ الطَّرِيقُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَصَلَهَا التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الطِّبِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ لَكِنْ بِالْعَنْعَنَةِ، وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي عَزْوِهِ إِلَى التِّرْمِذِيِّ مَعَ كَوْنِهِ فِي الْبُخَارِيِّ، وَغَفَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَنْ ذَلِكَ فَعَابَ عَلَى مَنْ نَسَبَهُ إِلَى التِّرْمِذِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الرُّقْيَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا كَانَ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ، وَكَذَا غَيْرُ الْمَأْثُورِ مِمَّا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَأْثُورِ، وَأَمَّا الرُّقَى بِمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُثْبِتُهُ وَلَا مَا يَنْفِيهِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الطِّبِّ. وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الضِّيَافَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَوَادِي وَالنُّزُولُ عَلَى مِيَاهِ الْعَرَبِ، وَطَلَبُ مَا عِنْدَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْقِرَى أَوِ الشِّرَاءِ، وَفِيهِ مُقَابَلَةُ مَنِ امْتَنَعَ مِنَ الْمَكْرُمَةِ بِنَظِيرِ صَنِيعِهِ لِمَا صَنَعَهُ الصَّحَابِيُّ مِنَ الِامْتِنَاعِ مِنَ الرُّقْيَةِ فِي مُقَابَلَةِ امْتِنَاعِ أُولَئِكَ مِنْ ضِيَافَتِهِمْ، وَهَذِهِ طَرِيقُ مُوسَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ وَلَمْ يَعْتَذِرِ الْخَضِرُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ. وَفِيهِ إِمْضَاءُ مَا يَلْتَزِمُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْتَزَمَ أَنْ يَرْقِيَ وَأَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ، وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ.

وَفِيهِ الِاشْتِرَاكُ فِي الْمَوْهُوبِ إِذَا كَانَ أَصْلُهُ مَعْلُومًا، وَجَوَازُ طَلَبِ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ يُعْلَمُ رَغْبَتُهُ فِي ذَلِكَ وَإِجَابَتُهُ إِلَيْهِ. وَفِيهِ جَوَازُ قَبْضِ الشَّيْءِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْحِلُّ وَتَرْكِ التَّصَرُّفِ فِيهِ إِذَا عَرَضَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ. وَفِيهِ الِاجْتِهَادُ عِنْدَ فَقْدِ النَّصِّ وَعَظَمَةُ الْقُرْآنِ فِي صُدُورِ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا الْفَاتِحَةَ، وَفِيهِ أَنَّ الرِّزْقَ الْمَقْسُومَ لَا يَسْتَطِيعُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مَنْعُهُ مِمَّنْ قُسِمَ لَهُ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ مَنَعُوا الضِّيَافَةَ وَكَانَ اللَّهُ قَسَمَ لِلصَّحَابَةِ فِي مَالِهِمْ نَصِيبًا فَمَنَعُوهُمْ فَسَبَّبَ لَهُمْ لَدْغَ الْعَقْرَبِ حَتَّى سِيقَ لَهُمْ مَا قُسِمَ لَهُمْ. وَفِيهِ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ حَيْثُ اخْتَصَّ بِالْعِقَابِ مَنْ كَانَ رَأْسًا فِي الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ الِائْتِمَارُ بِأَمْرِ كَبِيرِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ رَأْسَهُمْ فِي الْمَنْعِ اخْتُصَّ بِالْعُقُوبَةِ دُونَهُمْ جَزَاءً