للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رَابِعُهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَفِيهِ: وَرَجُلٌ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ وَقَالَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ: وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُعَاقَبَةَ وَقَعَتْ عَلَى مَنْعِهِ الْفَضْلَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْأَصْلِ، وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ: مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ لَوْ عَالَجَهُ لَكَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَحَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا يَخْفَى مَعْنَاهُ، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنَّ الْبِئْرَ لَيْسَتْ مِنْ حَفْرِهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَنْعِهِ غَاصِبَ ظَالِمٍ، وَهَذَا لَا يَرِدُ فِيمَا حَازَهُ وَعَمِلَهُ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ حَفَرَهَا وَمَنَعَهَا مِنْ صَاحِبِ الشَّفَةِ أَيِ الْعَطْشَانِ، وَيَكُونُ مَعْنَى مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ أَيْ لَمْ تُنْبِعِ الْمَاءَ وَلَا أَخْرَجْتَهُ، قَالَ: وَهَذَا أَيِ الْأَخِيرُ لَيْسَ مِنَ الْبَابِ فِي شَيْءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ عَلِيٌّ:، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ إِلَخْ) يُشِيرُ إِلَى أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يُرْسِلُ هَذَا الْحَدِيثَ كَثِيرًا، وَلَكِنَّهُ صَحَّحَ الْمَوْصُولَ لِكَوْنِ الَّذِي وَصَلَهُ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَقَدْ تَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ فَوَصَلُوهُ قَالَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: وَأَرْسَلَهُ غَيْرُهُمْ. قُلْتُ: وَقَدْ وَصَلَهُ أَيْضًا عَمْرٌو النَّاقِدُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ، وَصَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي سِيَاقِ الْمَتْنِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

١١ - بَاب لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ﷺ

٢٣٧٠ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. وَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَمَى النَّقِيعَ، وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ.

[الحديث ٢٣٧٠ - طرفه في: ٣٠١٣]

قَوْلُهُ: (بَابُ لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ) تَرْجَمَ بِلَفْظِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ مَزِيدٍ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْحَدِيثِ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمُا: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا حَمَاهُ النَّبِيُّ ﷺ، وَالْآخَرُ مَعْنَاهُ إِلَّا عَلَى مِثْلِ مَا حَمَاهُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْوُلَاةِ بَعْدَهُ أَنْ يَحْمِيَ، وَعَلَى الثَّانِي يَخْتَصُّ الْحِمَى بِمَنْ قَامَ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ الْخَلِيفَةُ خَاصَّةً. وَأَخَذَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا أَنَّ لَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمُ الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَكِنْ رَجَّحُوا الْأَوَّلَ بِمَا سَيَأْتِي أَنَّ عُمَرَ حَمَى بَعْدِ النَّبِيِّ ﷺ ; وَالْمُرَادُ بِالْحِمَى مَنْعُ الرَّعْيِ فِي أَرْضٍ مَخْصُوصَةٍ مِنَ الْمُبَاحَاتِ فَيَجْعَلُهَا الْإِمَامُ مَخْصُوصَةً بِرَعْيِ بَهَائِمِ الصَّدَقَةِ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (عَنْ يُونُسَ) هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ، وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ عَنْهُ مِنَ الْأَقْرَانِ لِأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِهِ ابْنِ شِهَابٍ، وفِي الْإِسْنَادِ تَابِعِيَّانِ وَصَحَابِيَّانِ.

قَوْلُهُ: (لَا حِمَى) أَصْلُ الْحِمَى عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ الرَّئِيسَ مِنْهُمْ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مُخْصِبًا اسْتَعْوَى كَلْبًا عَلَى مَكَانٍ عَالٍ فَإِلَى حَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَا يَرْعَى فِيهِ غَيْرُهُ وَيَرْعَى هُوَ مَعَ غَيْرِهِ فِيمَا سِوَاهُ، وَالْحِمَى هُوَ الْمَكَانُ الْمَحْمِيُّ وَهُوَ خِلَافُ الْمُبَاحِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يُمْنَعَ مِنَ الْإِحْيَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوَاتِ لِيَتَوَفَّرَ فِيهِ الْكَلَأُ فَتَرْعَاهُ مَوَاشٍ مَخْصُوصَةٌ وَيُمْنَعُ غَيْرُهَا، وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْحِمَى يَخْتَصُّ بِالْخَلِيفَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَ بِهِ وُلَاةُ الْأَقَالِيمِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ مُطْلَقًا أَنْ لَا يَضُرَّ بِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَاسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ لِمَذْهَبِهِ فِي اشْتِرَاطِ إِذْنِ الْإِمَامِ فِي إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَتُعُقِّبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْحِمَى أَخَصُّ مِنَ