للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَوْ إِتْلَافَهَا)

حَذَفَ الْجَوَابَ اغْتِنَاءً بِمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: هَذِهِ التَّرْجَمَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ الَّتِي قَبْلَهَا مُقَيَّدَةٌ بِالْعِلْمِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ، قَالَ: لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ فَقَدْ أَخَذَ لَا يُرِيدُ الْوَفَاءَ إِلَّا بِطَرِيقِ التَّمَنِّي وَالتَّمَنِّي خِلَافُ الْإِرَادَةِ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إِذَا نَوَى الْوَفَاءَ مِمَّا سَيَفْتَحُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ نَطَقَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ اللَّهَ يُؤَدِّي عَنْهُ إِمَّا بِأَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا بِأَنْ يَتَكَفَّلَ عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَمْ يَتَعَيَّنِ التَّقْيِيدُ بِالْقُدْرَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَلَوْ سُلِّمَ مَا قَالَ: فَهُنَاكَ مَرْتَبَةٌ ثَالِثَةٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَعْلَمَ هَلْ يَقْدِرُ أَوْ يَعْجِزُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ الدِّيلِيُّ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ثَوْرٌ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي الْغَيْثِ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ، زَادَ ابْنُ مَاجَهْ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ. قُلْتُ: وَاسْمُهُ سَالِمٌ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ.

قَوْلُهُ: (أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَدَّاهَا اللَّهُ عَنْهُ وَلِابْنِ مَاجَهْ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدَّانُ دَيْنًا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَّا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَظَاهِرُهُ يُحِيلُ الْمَسْأَلَةَ الْمَشْهُورَةَ فِيمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْهُ كَأَنْ يَعْسُرَ مَثَلًا أَوْ يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ وَلَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ وَكَانَتْ نِيَّتُهُ وَفَاءَ دَيْنِهِ وَلَمْ يُوَفَّ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا. وَيُمْكِنُ حَمْلُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ عَلَى الْغَالِبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي الْآخِرَةِ بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ، بَلْ يَتَكَفَّلُ اللَّهُ عَنْهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (أَتْلَفَهُ اللَّهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِتْلَافَ يَقَعُ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ فِي مَعَاشِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ. وَهُوَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِمَا نَرَاهُ بِالْمُشَاهَدَةِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنَ الْأَمْرَيْنِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِتْلَافِ عَذَابُ الْآخِرَةِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ الْحَضُّ عَلَى تَرْكِ اسْتِئْكَالِ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَالتَّرْغِيبُ فِي حُسْنِ التَّأْدِيَةِ إِلَيْهِمْ عِنْدَ الْمُدَايَنَةِ وَأَنَّ الْجَزَاءَ قَدْ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: فِيهِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَعْتِقُ وَلَا يَتَصَدَّقُ وَإِنْ فَعَلَ رُدَّ اهـ. وَفِي أَخْذِ هَذَا مِنْ هَذَا بُعْدٌ كَثِيرٌ. وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي تَحْسِينِ النِّيَّةِ وَالتَّرْهِيبُ مِنْ ضِدِّ ذَلِكَ وَأَنَّ مَدَارَ الْأَعْمَالِ عَلَيْهَا. وَفِيهِ التَّرْغِيبُ فِي الدَّيْنِ لِمَنْ يَنْوِي الْوَفَاءَ، وَقَدْ أَخَذَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَدِينُ، فَسُئِلَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الدَّائِنِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ: مَا مِنْ عَبْدٍ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ إِلَّا كَانَ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَوْنٌ، قَالَتْ: فَأَنَا أَلْتَمِسُ ذَلِكَ الْعَوْنَ، وَسَاقَ لَهُ شَاهِدًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ.

وَفِيهِ: أَنَّ مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَيْنٍ وَتَصَرَّفَ فِيهِ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ ثُمَّ تَبَيَّنَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يُرَدُّ بَلْ يُنْتَظَرُ بِهِ حُلُولُ الْأَجَلِ لِاقْتِصَارِهِ ﷺ عَلَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُلْزِمْهُ بِرَدِّ الْبَيْعِ قَالَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ.

٣ - بَاب أَدَاءِ الدَّيْون، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾

٢٣٨٨ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ