للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَمَّادًا عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ شَاذَّةً، وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهَا مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إِنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُ جَازَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهَا، وَهِيَ فَائِدَةٌ قَوْلُهُ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا إِلَخْ وَإِلَّا فَالِاحْتِيَاطُ مَعَ مَنْ لَمْ يَرَ الرَّدَّ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ، قَالَ: وَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ، أَوْ لِتَكُونَ الدَّعْوَى فِيهَا مَعْلُومَةً. وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ فَوَائِدِ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَعْرِفَ صِدْقَ الْمُدَّعِي مِنْ كَذِبِهِ، وَأَنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى حِفْظِ الْوِعَاءِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِلْقَائِهِ إِذَا أُخِذَتِ النَّفَقَةُ، وَأَنَّهُ إِذَا نَبَّهَ عَلَى حِفْظِ الْوِعَاءِ كَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى حِفْظِ الْمَالِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى. قُلْتُ: قَدْ صَحَّتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا، وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِي آخِرِ أَبْوَابِ اللُّقَطَةِ، وَمَا اعْتَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ إِذَا وَصَفَهَا فَأَصَابَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ فَجَاءَ شَخْصٌ آخَرُ فَوَصَفَهَا فَأَصَابَ لَا يَقْتَضِي الطَّعْنَ فِي الزِّيَادَةِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فَجَاءَ آخَرُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً أُخْرَى أَنَّهَا لَهُ، وَفِي ذَلِكَ تَفَاصِيلُ لِلْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ: يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ وُجُوبُ الدَّفْعِ لِمَنْ أَصَابَ الْوَصْفَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَالٌ ضَائِعٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ ثَانٍ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّمَلُّكِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الْمُدَّعِي إِلَى الْبَيِّنَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ : الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إِذَا صَحَّتِ الزِّيَادَةُ فَتَخُصُّ صُورَةَ الْمُلْتَقَطِ مِنْ عُمُومِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: احْفَظْ وِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا الْوِعَاءُ بِالْمَدِّ وَبِكَسْرِ الْوَاوِ وَقَدْ تُضَمُّ، وَقَرَأَ بِهَا الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ﴾ قَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِعَاءِ بِقَلْبِ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ هَمْزَةً. وَالْوِعَاءُ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الشَّيْءُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خَزَفٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الصُّرَّةُ وَغَيْرُهَا. وَزَادَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْعِفَاصَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ وَشَرْحُهُ وَحُكْمُ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ) الْقَائِلُ شُعْبَةُ، وَالَّذِي قَالَ: لَا أَدْرِي هُوَ شَيْخُهُ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، وَقَدْ بَيَّنَهُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، أَخْبَرَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَاخْتَصَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ شُعْبَةُ: فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ يَقُولُ: عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا. وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا فَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، قَالَ شُعْبَةُ: فَلَقِيتُ سَلَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَدْرِي ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلًا وَاحِدًا، وَأَغْرَبَ ابْنُ بَطَّالٍ فَقَالَ: الَّذِي شَكَّ فِيهِ هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَالْقَائِلُ هُوَ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ انْتَهَى. وَلَمْ يُصِبْ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمُنْذِرِيُّ، بَلِ الشَّكُّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَهُوَ سَلَمَةُ لَمَّا اسْتَثْبَتَهُ فِيهِ شُعْبَةُ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِغَيْرِ شَكٍّ جَمَاعَةٌ، وَفِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ، وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كُلُّهُمْ عَنْ سَلَمَةَ وَقَالَ: قَالُوا فِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا: ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، إِلَّا حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَإِنَّ فِي حَدِيثِهِ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ حَدِيثِ أُبَيٍّ هَذَا وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ: يُحْمَلُ حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَلَى مَزِيدِ الْوَرَعِ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي اللُّقَطَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّعَفُّفِ عَنْهَا، وَحَدِيثِ زَيْدٍ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، أَوْ لِاحْتِيَاجِ الْأَعْرَابِيِّ وَاسْتِغْنَاءِ أُبَيٍّ.

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى: إنَّ اللُّقَطَةَ تُعَرَّفُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ، إِلَّا شَيْءٌ جَاءَ عَنْ عُمَرَ انْتَهَى. وَقَدْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ شَوَاذَّ مِنَ الْفُقَهَاءِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عُمَرَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: يُعَرِّفُهَا ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ، عَامًا وَاحِدًا، ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى عِظَمِ اللُّقَطَةِ وَحَقَارَتِهَا. وَزَادَ ابْنُ حَزْمٍ، عَنْ عُمَرَ قَوْلًا خَامِسًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ غَلَطٌ. قَالَ: وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ سَلَمَةَ أَخْطَأَ فِيهَا ثُمَّ