للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ سُوَيْدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ أَوْثِقْ وِعَاءَهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ طَرَفًا مِنْهُ تَعْلِيقًا وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ. وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. وَهُوَ أَوْلَى مَا يُفَسَّرُ بِهِ هَذَا الْمُبْهَمُ لِكَوْنِهِ مِنْ رَهْطِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ.

وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْوَرِقُ يُوجَدُ عِنْدَ الْقَرْيَةِ، قَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلًا الْحَدِيثَ، وَفِيهِ سُؤَالُهُ عَنِ الشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَجَوَابُهُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَ أَصْلَهُ النَّسَائِيُّ. وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَ مَنْ يَعْرِفُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ جِدًّا، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْجَارُودِ الْعَبْدِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اللُّقَطَةُ نَجِدُهَا، قَالَ: أَنْشِدْهَا وَلَا تَكْتُمْ وَلَا تُغَيِّبِ الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ: (فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ) فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ اللُّقَطَةِ، زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَهُوَ كَالْمِثَالِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ مَثَلًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَمْتِعُ بِهِ غَيْرُ الْحَيَوَانِ فِي تَسْمِيَتِهِ لُقَطَةً وَفِي إِعْطَائِهِ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ. وَوَقَعَ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ.

قَوْلُهُ: (عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا) فِي رِوَايَةِ الْعَقَدِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ الْمَاضِيَةِ فِي الْعِلْمِ اعْرِفْ وِكَاءَهَا أَوْ قَالَ عِفَاصَهَا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ بَشِيرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا، زَادَ فِيهِ الْعَدَدَ كَمَا فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً. وَوَافَقَهُ الْأَكْثَرُ. نَعَمْ وَافَقَ الثَّوْرِيَّ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ بِلَفْظِ: عَرِّفْهَا حَوْلًا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِلَّا اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اقْبِضْهَا فِي مَالِكَ الْحَدِيثَ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ التَّعْرِيفَ يَقَعُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا ذَكَرَ مِنَ الْعَلَامَاتِ.

وَرِوَايَةُ الْبَابِ تَقْتَضِي أَنَّ التَّعْرِيفَ يَسْبِقُ الْمَعْرِفَةَ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْمَعْرِفَةِ فِي حَالَتَيْنِ، فَيُعَرِّفُ الْعَلَامَاتِ أَوَّلَ مَا يَلْتَقِطُ حَتَّى يَعْلَمَ صِدْقَ وَاصِفِهَا إِذَا وَصَفَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَيُعَرِّفُهَا مَرَّةً أُخْرَى تَعَرُّفًا وَافِيًا مُحَقَّقًا لِيَعْلَمَ قَدْرَهَا وَصِفَتَهَا فَيَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا. قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ فِي الرِّوَايَتَيْنِ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَلَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَلَا تَقْتَضِي تَخَالُفًا يَحْتَاجُ إِلَى الْجَمْعِ وَيُقَوِّيهِ كَوْنُ الْمَخْرَجِ وَاحِد وَالْقِصَّةِ وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا يُحَسِّنُ مَا تَقَدَّمَ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَخْرَجُ مُخْتَلِفًا فَيُحْمَلُ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، وَلَيْسَ الْغَرَضُ إِلَّا أَنْ يَقَعَ التَّعَرُّفُ وَالتَّعْرِيفُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَيِّهِمَا أَسْبَقُ.

وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ أَظْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ عِنْدَ الِالْتِقَاطِ، وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَهُ. وَالْعِفَاصُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُهْمَلَةٌ: الْوِعَاءُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ جِلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَقِيلَ لَهُ الْعِفَاصُ أَخْذًا مِنَ الْعَفْصِ وَهُوَ الثَّنْيُ لِأَنَّ الْوِعَاءَ يُثَنَى عَلَى مَا فِيهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ وَخِرْقَتَهَا بَدَلَ عِفَاصِهَا، وَالْعِفَاصُ أَيْضًا الْجِلْدُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الْقَارُورَةِ، وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ فَمَ الْقَارُورَةِ مِنْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ الصِّمَامُ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ.

قُلْتُ: فَحَيْثُ ذُكِرَ الْعِفَاصُ مَعَ الْوِعَاءِ فَالْمُرَادُ الثَّانِي، وَحَيْثُ لَمْ يُذْكَرِ الْعِفَاصُ مَعَ الْوِعَاءِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَوَّلُ، وَالْغَرَضُ مَعْرِفَةُ الْآلَاتِ الَّتِي تَحْفَظُ النَّفَقَةَ. وَيَلْتَحِقُ بِمَا ذُكِرَ حِفْظُ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَالْكَيْلِ فِيمَا يُكَالُ وَالْوَزْنِ فِيمَا يُوزَنُ وَالذَّرْعِ فِيمَا يُذْرَعُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ تَقْيِيدُهَا بِالْكِتَابَةِ خَوْفَ النِّسْيَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا عَرَّفَ بَعْضَ الصِّفَاتِ دُونَ بَعْضٍ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الدَّفْعِ لِمَنْ عَرَّفَ الصِّفَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: