للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَتَرْكِ قَطْعِ مَنْ سَرَقَ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، وَشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْوِلَادَةِ، وَلَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ، وَلَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، وَلَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ، وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَلَا يُؤْكَلُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ، وَيَحْرُمُ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مِنَ الْقَتِيلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الزِّيَادَةَ عَلَى عُمُومِ الْكِتَابِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّهَا أَحَادِيثُ شَهِيرَةٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا لِشُهْرَتِهَا، فَيُقَالُ لَهُمْ: وَحَدِيثُ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ، بَلْ ثَبَتَ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ، وَقَالَ فِي الْيَمِينِ: إِنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا يُرْتَابُ فِي صِحَّتِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِي صِحَّتِهِ وَلَا إِسْنَادِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: إِنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ لَا تُعْرَفُ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُمَا تَابِعِيَّانِ ثِقَتَانِ مَكِّيَّانِ وَقَدْ سَمِعَ قَيْسٌ مِنْ أَقْدَمَ مِنْ عَمْرٍو، وَبِمِثْلِ هَذَا لَا تُرَدُّ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ.

وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَرِجَالُهُ مَدَنِيُّونَ ثِقَاتٌ، وَلَا يَضُرُّهُ أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ نَسِيَهُ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَ بِهِ رَبِيعَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ نَفْسِهِ عَنْ أَبِيهِ، وَقِصَّتُهُ بِذَلِكَ مَشْهُورَةٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهَا. وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَأَبُو عَوَانَةَ. وَفِي الْبَابِ عَنْ نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهَا الْحِسَانُ وَالضِّعَافُ، وَبِدُونِ ذَلِكَ تَثْبُتُ الشُّهْرَةُ، وَدَعْوَى نَسْخِهِ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ بِأَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ النُّكُولِ وَرَدَّ الْيَمِينِ بِغَيْرِ حَلِفٍ فَإِذَا حَلَفَ ثَبَتَ الْحَقُّ بِغَيْرِ خِلَافٍ فَيَكُونُ حَلِفُ الْمُدَّعِي وَمَعَهُ شَاهِدٌ آخَرُ أَوْلَى، فَهُوَ مُتَعَقَّبٌ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِرَدِّ الْيَمِينِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَضَاءُ بَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ، يَعْنِي وَالْمُخَالِفُ لِذَلِكَ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ فَضْلًا عَنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَظْرَفُ مَا وَجَدْتُ لَهُمْ فِي رَدِّ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ: قَضَى بِيَمِينِ الْمُنْكِرِ مَعَ شَاهِدِ الطَّالِبِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ فَيَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ جَهْلٌ بِاللُّغَةِ، لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِنْ شَيْئَيْنِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لَا فِي الْمُتَضَادَّيْنِ. ثَانِيهِمَا: حَمْلُهُ عَلَى صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ آخَرَ عَبْدًا مَثَلًا فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ بِهِ عَيْبًا وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُهُ بِالْبَرَاءَةِ فَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا اشْتَرَى بِالْبَرَاءَةِ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ، وَتَعَقَّبَهُ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهَا صُورَةٌ نَادِرَةٌ وَلَا يُحْمَلُ الْخَبَرُ عَلَيْهَا.

قُلْتُ: وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مَا يُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ.

أَحَدُهَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، هَكَذَا أَخْرَجَهُ فِي الرَّهْنِ، وَهُنَا مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقِ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَأَخْرَجَهُ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مِثْلَهُ، وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ادَّعَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى أَنَّهَا جَرَحَتْهَا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ سُفْيَانَ إِلَّا الْفِرْيَابِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ: وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّالِبِ وَالْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كُنْتُ قَاضِيًا لِابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى الطَّائِفِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْمَرْأَتَيْنِ، فَكَتَبْتُ إِلَى