للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي) فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ: لِآبَائِي قِيلَ: أَرَادَ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ جَدٌّ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَلِعَلِيٍّ أَيْضًا، وَالْجَدُّ يُدْعَى سَيِّدًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَمْزَةَ أَرَادَ الِافْتِخَارَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْهُمْ.

قَوْلُهُ: (الْقَهْقَرَى) هُوَ الْمَشْيُ إِلَى خَلْفٍ، وَكَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَزْدَادَ عَبَثُ حَمْزَةَ فِي حَالِ سُكْرِهِ، فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْقَوْلِ إِلَى الْفِعْلِ، فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَا يَقَعُ مِنْ حَمْزَةَ بِمَرْأًى مِنْهُ؛ لِيَدْفَعَهُ إِنْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ.

قَوْلُهُ: (وَخَرَجْنَا مَعَهُ) زَادَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَيْ وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَاخِذِ النَّبِيُّ ﷺ حَمْزَةَ بِقَوْلِهِ. وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ رَدٌّ عَلَى مَنِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ؛ فَإِنَّهُ إِذَا عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَانَ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يُدْخِلْ عَلَى نَفْسِهِ الضَّرَرَ، وَالَّذِي يَقُولُ: يَقَعُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ يَحْتَجُّ بِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ السُّكْرَ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، فَعُوقِبَ بِإِمْضَاءِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ وَلَا نَفْيِهِ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ يَقُولُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سُنَّةً. قُلْتُ: وَفِيهِ أَنَّ الْغَانِمَ يُعْطَى مِنَ الْغَنِيمَةِ مِنْ جِهَتَيْنِ: مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ بِحَقِّ الْغَنِيمَةِ، وَمِنَ الْخُمُسِ إِذَا كَانَ مِمَّنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ، وَأَنَّ لِمَالِكِ النَّاقَةِ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا. وَفِيهِ الْإِنَاخَةُ عَلَى بَابِ الْغَيْرِ إِذَا عَرَفَ رِضَاهُ بِذَلِكَ وَعَدَمَ تَضَرُّرِهِ بِهِ، وَأَنَّ الْبُكَاءَ الَّذِي يَجْلُبُهُ الْحُزْنُ غَيْرُ مَذْمُومٍ، وَأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْغَيْظُ.

وَفِيهِ مَا رُكِّبَ فِي الْإِنْسَانِ مِنَ الْأَسَفِ عَلَى فَوْتِ مَا فِيهِ نَفْعُهُ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَأَنَّ اسْتِعْدَاءَ الْمَظْلُومِ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَإِخْبَارَهُ بِمَا ظَلَمَ بِهِ خَارِجٌ عَنِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَجَوَازُ الِاجْتِمَاعِ فِي الشُّرْبِ الْمُبَاحِ، وَجَوَازُ تَنَاوُلِ مَا يُوضَعُ بَيْنَ أَيْدِي الْقَوْمِ، وَجَوَازُ الْغِنَاءِ بِالْمُبَاحِ مِنَ الْقَوْلِ، وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ وَالِاسْتِمَاعِ مِنَ الْأَمَةِ، وَالتَّخَيُّرُ فِيمَا يَأْكُلُهُ، وَأَكْلُ الْكَبِدِ وَإِنْ كَانَتْ دَمًا. وَفِيهِ أَنَّ السُّكْرَ كَانَ مُبَاحًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ السُّكْرَ لَمْ يُبَحْ قَطُّ، وَيُمْكِنْ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى السُّكْرِ الَّذِي مَعَهُ التَّمْيِيزُ مِنْ أَصْلِهِ. وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا فِي النِّكَاحِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الصِّيَاغَةِ وَالتَّكَسُّبِ بِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ، وَجَوَازُ جَمْعِ الْإِذْخِرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَالتَّكَسُّبِ بِذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الشُّرْبِ. وَفِيهِ الِاسْتِعَانَةُ فِي كُلِّ صِنَاعَةٍ بِالْعَارِفِ بِهَا، قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَفِيهِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ جِنَايَةَ ذَوِي الرَّحِمِ مُغْتَفَرَةٌ.

قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَغْرَمَ حَمْزَةَ ثَمَنَ النَّاقَتَيْنِ، وَفِيهِ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى بَيْتِ مَنْ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَلَى مُنْكَرٍ لِيُغَيِّرَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: فِيهِ حِلُّ تَذْكِيَةِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَا بَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا إِلَّا بَعْدَ التَّذْكِيَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَفِيهِ سُنَّةُ الِاسْتِئْذَانِ فِي الدُّخُولِ، وَأَنَّ الْإِذْنَ لِلرَّئِيسِ يَشْمَلُ أَتْبَاعَهُ؛ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَعَلِيًّا دَخَلَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ الَّذِي كَانَ اسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُ، وَأَنَّ السَّكْرَانَ يُلَامُ إِذَا كَانَ يَعْقِلُ اللَّوْمَ، وَأَنَّ لِلْكَبِيرِ فِي بَيْتِهِ أَنْ يُلْقِيَ رِدَاءَهُ تَخْفِيفًا، وَأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ لِقَاءَ أَتْبَاعِهِ يَكُونُ عَلَى أَكْمَلِ هَيْئَةٍ؛ لِأَنَّهُ ﷺ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى حَمْزَةَ أَخَذَ رِدَاءَهُ. وَأَنَّ الصَّاحِيَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُخَاطِبَ السَّكْرَانَ، وَأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ زَائِلِ الْعَقْلِ لَا يُوَلِّيهِ ظَهْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِظَمِ قَدْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَجَوَازُ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ لِقَوْلِ حَمْزَةَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟ وَمُرَادُهُ كَالْعَبِيدِ، وَنُكْتَةُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَهُ فِي الْخُضُوعِ لَهُ، وَجَوَازُ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِمْ فِي حُكْمِ الْعَبِيدِ. وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَائِلِينَ. قُلْتُ: وَفِي كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الِانْتِزَاعَاتِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: اعْتَرَاكَ، افْتَعَلْتَ مِنْ عَرَوْتُهُ فَأَصَبْتُهُ، وَمِنْهُ: يَعْرُوهُ وَاعْتَرَانِي.

الثَّانِي: حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ.

قَوْلُهُ: (عَنْ صَالِحٍ) هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ فَاطِمَةَ سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ) زَادَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ.

قَوْلُهُ: (مَا تَرَكَ) هُوَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: مِيرَاثَهَا