للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَقْبِضُهَا، وَيُفَرِّقُهَا فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قُلْتُ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ، ثُمَّ تَغَيَّرَتِ الْأُمُورُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ، فَقَالَ مَالِكٌ: الْفَيْءُ وَالْخُمُسُ سَوَاءٌ يُجْعَلَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُعْطِي الْإِمَامُ أَقَارِبَ النَّبِيِّ ﷺ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ. وَفَرَّقَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَبَيْنَ الْفَيْءِ، فَقَالَ: الْخُمُسُ مَوْضُوعٌ فِيمَا عَيَّنَهُ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْأَصْنَافِ الْمُسَمَّيْنَ فِي آيَةِ الْخُمسِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، لَا يُتَعَدَّى بِهِ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَأَمَّا الْفَيْءُ فَهُوَ الَّذِي يَرْجِعُ النَّظَرُ فِي مَصْرِفِهِ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَانْفَرَدَ الشَّافِعِيُّ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْفَيْءَ يُخَمَّسُ، وَأَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَلَهُ خُمُسُ الْخُمُسِ كَمَا فِي الْغَنِيمَةِ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ لِمُسْتَحِقِّ نَظِيرِهَا مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: مَصْرِفُ الْفَيْءِ كُلُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُمَرَ: فَكَانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَاصَّةً وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَ عُمَرَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ يُرِيدُ الْأَخْمَاسَ الْأَرْبَعَةَ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ فِي بَابِ فَرْضِ الْخُمُسِ أَنَّ الَّذِي سَأَلَتْ فَاطِمَةُ أَنْ تَأْخُذَهُ مِنْ جُمْلَتِهِ خَيْبَرُ، وَالْمُرَادُ بِهِ سَهْمُهُ ﷺ مِنْهَا وَهُوَ الْخُمُسُ، وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي بِلَفْظِ: مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ كُلِّ قَبِيلَةٍ كَبِيرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَادِيَ الرَّجُلَ الشَّرِيفَ الْكَبِيرَ بِاسْمِهِ وَبِالتَّرْخِيمِ حَيْثُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَنْقِيصَهُ، وَفِيهِ اسْتِعْفَاءُ الْمَرْءِ مِنَ الْوِلَايَةِ، وَسُؤَالُهُ الْإِمَامَ ذَلِكَ بِالرِّفْقِ، وَفِيهِ اتِّخَاذُ الْحَاجِبِ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ، وَالشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ فِي إِنْفَاذِ حُكْمٍ وَتَبْيِينِ الْحَاكِمِ وَجْهَ حُكْمِهِ، وَفِيهِ إِقَامَةُ الْإِمَامِ مَنْ يَنْظُرُ عَلَى الْوَقْفِ نِيَابَةً عَنْهُ، وَالتَّشْرِيكُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فِي ذَلِكَ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ جَوَازُ أَكْثَرِ مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَفِيهِ جَوَازُ الِادِّخَارِ خِلَافًا لِقَوْلِ مَنْ أَنْكَرَهُ مِنْ مُشَدِّدِي الْمُتَزَهِّدِينَ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ، وَفِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْعَقَارِ، وَاسْتِغْلَالِ مَنْفَعَتِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ اتِّخَاذِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا النَّمَاءُ، وَالْمَنْفَعَةُ مِنْ زِرَاعَةٍ وَتِجَارَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا قَامَ عِنْدَهُ الدَّلِيلُ صَارَ إِلَيْهِ وَقَضَى بِمُقْتَضَاهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ، وَأَنَّ الْأَتْبَاعَ إِذَا رَأَوْا مِنَ الْكَبِيرِ انْقِبَاضًا لَمْ يُفَاتِحُوهُ حَتَّى يُفَاتِحَهُمْ بِالْكَلَامِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنَ الْفَيْءِ وَلَا خُمُسَ الْغَنِيمَةِ إِلَّا قَدْرَ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لَهُ فِيهِ التَّصَرُّفُ بِالْقَسْمِ، وَالْعَطِيَّةِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مِلْكَ رَقَبَةِ مَا غَنِمَهُ، وَإِنَّمَا مَلَّكَهُ مَنَافِعَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَائِمُ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يُورَثُ: احْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ قَالَ: أَمَّا مَنْ أَنْكَرَ الْعُمُومَ فَلَا اسْتِغْرَاقَ عِنْدَهُ لِكُلِّ مَنْ مَاتَ أَنَّهُ يُورَثُ، وَأَمَّا مَنْ أَثْبَتَهُ فَلَا يُسَلِّمُ دُخُولَ النَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ سَلَّمَ دُخُولَهُ لَوَجَبَ تَخْصِيصُهُ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ، وَخَبَرُ الْآحَادِ يُخَصِّصُ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْسَخُ، فَكَيْفَ بِالْخَبَرِ إِذَا جَاءَ مِثْلَ مَجِيءِ هَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ: لَا نُورَثُ.

[٢ - باب أداء الخمس من الدين]

٣٠٩٥ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄ يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْخُذُ بِهِ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ