للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِسَبَبِ ذَلِكَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَةً، وَإِنَّمَا دَخَلَتِ النَّارَ بِهَذِهِ الْمَعْصِيَةِ، كَذَا قَالَ، وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهَا كَافِرَةً مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَفِيهِ قِصَّةٌ لَهَا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ بِتَمَامِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ.

وَفِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْهِرَّةِ وَرِبَاطِهَا إِذَا لَمْ يُهْمَلْ إِطْعَامُهَا وَسَقْيُهَا، وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ غَيْرُ الْهِرَّةِ فِي مَعْنَاهَا، وَأَنَّ الْهِرَّ لَا يُمْلَكُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ إِطْعَامُهُ عَلَى مَنْ حَبَسَهُ، كَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ. وَفِيهِ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ عَلَى مَالِكِهِ، كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مِلْكِهَا، لَكِنْ فِي قَوْلِهِ هِرَّةٍ لَهَا كَمَا هِيَ رِوَايَةُ هَمَّامٍ مَا يَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ.

الْحَدِيثُ السَّادِسَ عَشَرَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ.

قَوْلُهُ: (نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ) قِيلَ هُوَ الْعُزَيْرُ، وَرَوَى الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ مُوسَى ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي التَّفْسِيرِ.

قَوْلُهُ: (فَلَدَغَتْهُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَرَصَتْهُ، وَلَيْسَ هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَإِنَّ ذَاكَ مَعْنَاهُ الْإِحْرَاقُ.

قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا بَعْدَهَا زَايٌ أَيْ مَتَاعِهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ) أَيْ بَيْتَ النَّمْلِ، وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ الْمَاضِيَةِ فِي الْجِهَادِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، وَقَرْيَةُ النَّمْلِ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِنَّ، وَالْعَرَبُ تُفَرِّقُ فِي الْأَوْطَانِ فَيَقُولُونَ لِمَسْكَنِ الْإِنْسَانِ وَطَنٌ، وَلِمَسْكَنِ الْإِبِلِ عَطَنٌ، وَلِلْأَسَدِ عَرِينٌ وَغَابَةٌ، وَلِلظَّبْيِ كِنَاسٌ، وَلِلضَّبِّ وِجَارٌ، وَلِلطَّائِرِ عُشٌّ، وَلِلزُّنْبُورِ كَوْرٌ، وَلِلْيَرْبُوعِ نَافِقٌ، وَلِلنَّمْلِ قَرْيَةٌ.

قَوْلُهُ: (فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً) يَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ عَامِلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: فَهَلَّا أَحْرَقْتَ نَمْلَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الَّتِي آذَتْكَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهَا جِنَايَةٌ. وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ إِحْرَاقِ الْحَيَوَانِ الْمُؤْذِي بِالنَّارِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إِذَا لَمْ يَأْتِ فِي شَرْعِنَا مَا يَرْفَعُهُ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ وَرَدَ عَلَى لِسَانِ الشَّارِعِ مَا يُشْعِرُ بِاسْتِحْسَانِ ذَلِكَ، لَكِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا النَّهْيُ عَنِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِ ذَلِكَ النَّبِيِّ جَوَازُ قَتْلِ النَّمْلِ وَجَوَازُ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَتْبُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ وَلَا فِي الْإِحْرَاقِ، بَلْ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النَّمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا فِي شَرْعِنَا فَلَا يَجُوزُ إِحْرَاقُ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ إِلَّا فِي الْقِصَاصِ بِشَرْطِهِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا قَتْلُ النَّمْلِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ قَتْلِ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ انْتَهَى، وَقَدْ قَيَّدَ غَيْرُهُ كَالْخَطَّابِيِّ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِهِ مِنَ النَّمْلِ بِالسُّلَيْمَانِيِّ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: النَّمْلُ الصَّغِيرُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الذَّرُّ يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ عَنِ الصَّيْمَرِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ. وَفِي قَوْلِهِ أَنَّ الْقَتْلَ وَالْإِحْرَاقَ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِ ذَلِكَ النَّبِيِّ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُعَاتَبْ أَصْلًا وَرَأْسًا إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَذَى طَبْعُهُ. وَقَالَ عِيَاضٌ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ كُلِّ مُؤْذٍ.

وَيُقَالُ: إِنَّ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ سَبَبًا، وَهُوَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِذُنُوبِ أَهْلِهَا فَوَقَفَ مُتَعَجِّبًا فَقَالَ: يَا رَبِّ قَدْ كَانَ فِيهِمْ صِبْيَانٌ وَدَوَابٌّ وَمَنْ لَمْ يَقْتَرِفْ ذَنْبًا، ثُمَّ نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَجَرَتْ لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةُ، فَنَبَّهَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى أَنَّ الْجِنْسَ الْمُؤْذِيَ يُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ يُؤْذِ، وَتُقْتَلُ أَوْلَادُهُ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغِ الْأَذَى انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَإِنْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يُعَاتَبْ إِنْكَارًا لِمَا فَعَلَ بَلْ جَوَابًا لَهُ وَإِيضَاحًا لِحِكْمَةِ شُمُولِ الْهَلَاكِ لِجَمِيعِ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ، فَضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ بِذَلِكَ أَيْ إِذَا اخْتَلَطَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِهْلَاكَ بِغَيْرِهِ وَتَعَيَّنَ إِهْلَاكَ الْجَمِيعِ طَرِيقًا إِلَى إِهْلَاكِ الْمُسْتَحِقِّ جَازَ إِهْلَاكُ الْجَمِيعِ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَتَتَرُّسِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: النَّمْلُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَكَيْفَ أُشِيرَ فِي الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَقَ نَمْلَةً وَاحِدَةً جَازَ مَعَ أَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْمِثْلِ لِقَوْلِهِ