للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: فِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَوْلَا أَنِّي كَتَبْتُ الْفَسَادَ عَلَى الطَّعَامِ لَخَزَنَهُ الْأَغْنِيَاءُ عَنِ الْفُقَرَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْلَا حَوَّاءُ) أَيِ امْرَأَةُ آدَمَ وَهِيَ بِالْمَدِّ، قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ، وَسَيَأْتِي صِفَةُ خَلْقِهَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ.

وَقَوْلُهُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ حَوَّاءَ فِي تَزْيِينِهَا لِآدَمَ الْأَكْلَ مِنَ الشَّجَرَةِ حَتَّى وَقَعَ فِي ذَلِكَ، فَمَعْنَى خِيَانَتِهَا أَنَّهَا قَبِلَتْ مَا زَيَّنَ لَهَا إِبْلِيسُ حَتَّى زَيَّنَتْهُ لِآدَمَ، وَلَمَّا كَانَتْ هِيَ أُمَّ بَنَاتِ آدَمَ أَشْبَهْنَهَا بِالْوِلَادَةِ وَنَزَعَ الْعِرْقَ فَلَا تَكَادُ امْرَأَةٌ تَسْلَمُ مِنْ خِيَانَةِ زَوْجِهَا بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقَوْلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْخِيَانَةِ هُنَا ارْتِكَابَ الْفَوَاحِشِ، حَاشَا وَكَلَّا، وَلَكِنْ لَمَّا مَالَتْ إِلَى شَهْوَةِ النَّفْسِ مِنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ وَحَسَّنَتْ ذَلِكَ لِآدَمَ عُدَّ ذَلِكَ خِيَانَةً لَهُ، وَأَمَّا مَنْ جَاءَ بَعْدَهَا مِنَ النِّسَاءِ فَخِيَانَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِحَسَبِهَا. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا حَدِيثُ جَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى تَسْلِيَةِ الرِّجَالِ فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ بِمَا وَقَعَ مِنْ أُمِّهِنَّ الْكُبْرَى، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ طَبْعِهِنَّ فَلَا يُفْرَطُ فِي لَوْمِ مَنْ وَقَعَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ النُّدُورِ، وَيَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَّ بِهَذَا فِي الِاسْتِرْسَالِ فِي هَذَا النَّوْعِ بَلْ يَضْبِطْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَيُجَاهِدْنَ هَوَاهُنَّ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: (مُوسَى بْنُ حِزَامٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا زَايٌ خَفِيفَةٌ، وَهُوَ تِرْمِذِيٌّ نَزَلَ بَلْخَ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ زَاهِدًا عَالِمًا بِالسُّنَّةِ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ، إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ مَيْسَرَةَ) هُوَ ابْنُ عِمَارَةَ الْأَشْجَعِيُّ الْكُوفِيُّ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ فِي تَفْسِيرِ آلِ عِمْرَانَ.

قَوْلُهُ: (اسْتَوْصُوا) قِيلَ مَعْنَاهُ تَوَاصَوْا بِهِنَّ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَالِاسْتِفْعَالُ بِمَعْنَى الْإِفْعَالِ كَالِاسْتِجَابَةِ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: السِّينُ لِلطَّلَبِ، وَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ أَيِ اطْلُبُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِي حَقِّهِنَّ، أَوِ اطْلُبُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ غَيْرِكُمْ بِهِنَّ كَمَنْ يَعُودُ مَرِيضًا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْوَصِيَّةُ بِالنِّسَاءِ آكَدُ لِضَعْفِهِنَّ وَاحْتِيَاجِهِنَّ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِنَّ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ اقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بِهَا وَارْفُقُوا بِهِنَّ وَأَحْسِنُوا عِشْرَتَهُنَّ. قُلْتُ: وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَوْجُهِ فِي نَظَرِي، وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا قَالَ الطِّيبِيُّ.

قَوْلُهُ: (خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا، قِيلَ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ مِنْ ضِلَعِهِ الْقَصِيرِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَزَادَ الْيُسْرَى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَجُعِلَ مَكَانَهُ لَحْمٌ، وَمَعْنَى خُلِقَتْ: أَيْ أُخْرِجَتْ كَمَا تَخْرُجُ النَّخْلَةُ مِنَ النَّوَاةِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ مَبْلَغِ ضِلَعٍ فَهِيَ كَالضِّلَعِ، زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ) قِيلَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَعْوَجَ مَا فِي الْمَرْأَةِ لِسَانُهَا، وَفِي اسْتِعْمَالِ أَعْوَجَ اسْتِعْمَالٌ لِأَفْعَلَ فِي الْعُيُوبِ وَهُوَ شَاذٌّ، وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ فَلَا يُنْكَرُ اعْوِجَاجُهَا، أَوِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّقْوِيمَ كَمَا أَنَّ الضِّلَعَ لَا يَقْبَلُهُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ) قِيلَ هُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ لِلطَّلَاقِ أَيْ إِنْ أَرَدْتَ مِنْهَا أَنْ تَتْرُكَ اعْوِجَاجَهَا أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَى فِرَاقِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا.

وَيُسْتَفَادُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الضِّلَعَ مُذَكَّرٌ خِلَافًا لِمَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ مُؤَنَّثٌ وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ التَّأْنِيثَ فِي رِوَايَتِهِ لِلْمَرْأَةِ، وَقِيلَ إِنَّ الضِّلَعَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَعَلَى هَذَا فَاللَّفْظَانِ صَحِيحَانِ.

الْحَدِيثُ السَّابِعُ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِيهَا ذُرِّيَّتُهُ، فَإِنَّ فِيهِ بَيَانَ خَلْقِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ.

الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: حَدِيثُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ وَسَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ.

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: