للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَاتِمٍ فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَنْشُرُ طَرَفَ ثَوْبِهِ فَيَأْخُذُ الْجَرَادَ فَيَجْعَلُهُ فِيهِ فَكُلَّمَا امْتَلَأَتْ نَاحِيَةٌ نَشَرَ نَاحِيَةً.

قَوْلُهُ: (فَنَادَاهُ رَبُّهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِإِلْهَامٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ.

قَوْلُهُ: (قَالَ بَلَى) أَيْ أَغْنَيْتَنِي.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي) بِالْقَصْرِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَخَبَرُ لَا قَوْلُهُ لِي أَوْ قَوْلُهُ عَنْ بَرَكَتِكَ، وَفِي رِوَايَةِ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ فَقَالَ: وَمَنْ يَشْبَعُ مِنْ رَحْمَتِكَ أَوْ قَالَ: مِنْ فَضْلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْحِرْصِ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الْحَلَالِ فِي حَقِّ مَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِالشُّكْرِ عَلَيْهِ، وَفِيهِ تَسْمِيَةُ الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بَرَكَةً، وَفِيهِ فَضْلُ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَبَاحِثِ هَذِهِ الْخَصْلَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْخَطَّابِيُّ جَوَازَ أَخْذِ النُّثَارِ فِي الْأَمْلَاكِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ فَقَالَ: هُوَ شَيْءٌ خَصَّ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ أَيُّوبَ، وَهُوَ بِخِلَافِ النُّثَارِ فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْآدَمِيِّ فَيُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ السَّرَفِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أُذِنَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ إِنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ، وَيُسْتَأْنَسُ فِيهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ):

لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ شَيْءٌ، فَاكْتَفَى بِهَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي عَلَى شَرْطِهِ. وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي قِصَّتِهِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ أَيُّوبَ ﵇ ابْتُلِيَ فَلَبِثَ فِي بَلَائِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِهِ فَكَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا عَظِيمًا وَإِلَّا لَكُشِفَ عَنْهُ هَذَا الْبَلَاءُ، فَذَكَرَهُ الْآخَرُ لِأَيُّوبَ، يَعْنِي فَحَزِنَ وَدَعَا اللَّهَ حِينَئِذٍ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ وَأَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ فَلَمَّا فَرَغَ أَبْطَأَتْ عَلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ، فَضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْضَ فَنَبَعَتْ عَيْنٌ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا فَرَجَعَ صَحِيحًا، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ فَلَمْ تَعْرِفْهُ، فَسَأَلَتْهُ عَنْ أَيُّوبَ فَقَالَ: إِنِّي أَنَا هُوَ، وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ: أَحَدُهُمَا: لِلْقَمْحِ، وَالْآخَرُ: لِلشَّعِيرِ، فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُ سَحَابَةً فَأَفْرَغَتْ فِي أَنْدَرِ الْقَمْحِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَ، وَفِي أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْفِضَّةَ حَتَّى فَاضَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ: فَكَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةً مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ فَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَلْ أَبْصَرْتَ الْمُبْتَلَى الَّذِي كَانَ هُنَا، فَلَعَلَّ الذِّئَابَ ذَهَبَتْ بِهِ؟ فَقَالَ: وَيْحَكِ أَنَا هُوَ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ نَحْوَ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِي آخِرِهِ: قَالَ فَسَجَدَ وَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا أَرْفَعُ رَأْسِي حَتَّى تَكْشِفَ عَنِّي، فَكَشَفَ عَنْهُ. وَعَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَدَّ اللَّهُ عَلَى امْرَأَتِهِ شَبَابَهَا حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ وَلَدًا ذَكَرًا. وَذَكَرَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَأ قِصَّةً مُطَوَّلَةً جِدًّا وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ كَانَ يحُورَانَ، وَكَانَ لَهُ الْبَثْنِيَّةُ سَهْلُهَا وَجَبَلُهَا، وَلَهُ أَهْلٌ وَمَالٌ كَثِيرٌ وَوَلَدٌ، فَسُلِبَ ذَلِكَ كُلُّهُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُوَ يَصْبِرُ وَيَحْتَسِبُ، ثُمَّ ابْتُلِيَ فِي جَسَدِهِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْبَلَاءِ حَتَّى أُلْقِيَ خَارِجًا مِنَ الْبَلَدِ، فَرَفَضَهُ النَّاسُ إِلَّا امْرَأَتَهُ، فَبَلَغَ مِنْ أَمْرِهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَخْدُمُ بِالْأُجْرَةِ وَتُطْعِمُهُ إِلَى أَنْ تَجَنَّبَهَا النَّاسُ خَشْيَةَ الْعَدْوَى فَبَاعَتْ إِحْدَى ضَفِيرَتَيْهَا مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ، وَكَانَتْ طَوِيلَةً حَسَنَةً، فَاشْتَرَتْ لَهُ بِهِ طَعَامًا طَيِّبًا، فَلَمَّا أَحْضَرَتْهُ لَهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ حَتَّى تُخْبِرَهُ مِنْ أَيْنَ لَهَا ذَلِكَ، فَكَشَفَتْ عَنْ رَأْسِهَا، فَاشْتَدَّ حُزْنُهُ وَقَالَ حِينَئِذٍ: ﴿رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ فَعَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ أَيُّوبَ أَوَّلُ مَنْ أَصَابَهُ الْجُدَرِيُّ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ إِبْلِيسَ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا: إِنْ أَكَلَ أَيُّوبُ وَلَمْ يُسَمِّ عُوفِيَ، فَعَرَضَتْ ذَلِكَ عَلَى أَيُّوبَ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا مِائَةً، فَلَمَّا عُوفِيَ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَأْخُذَ عُرْجُونًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَيضَرِبَهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ: بَلْ قَعَدَ إِبْلِيسُ عَلَى الطَّرِيقِ فِي صُورَةِ طَبِيبٍ فَقَالَ لَهَا: إِذَا دَاوَيْتُهُ فَقَالَ أَنْتَ شَفَيْتَنِي قَنَعْتُ بِذَلِكَ، فَعَرَضَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَغَضِبَ وَكَانَ مَا كَانَ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ اسْمَهَا لِيَا بِنْتُ يَعْقُوبَ، وَقِيلَ: رَحْمَةُ