للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا وَعَرَّفَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بَعْدُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا وَالْمُرَادُ بِالدَّارِ مَكَّةُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَرَادَ بِالدَّارِ أَهْلَ الدَّارِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ وَقَوْلُهُ: أَحْسَابًا الْحَسَبُ الْفِعَالُ الْحِسَانُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِسَابِ إِذَا عَدُّوا مَنَاقِبَهُمْ، فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَ كَانَ أَعْظَمَ حَسَبًا، وَيُقَالُ النَّسَبُ لِلْآبَاءِ وَالْحَسَبُ لِلْأَفْعَالِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ حُبَابُ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ (ابْنُ الْمُنْذِرِ) أَيِ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ الْخَزْرَجِيُّ ثُمَّ السَّلَمِيُّ بِفَتْحَتَيْنِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ذُو الرَّأْيِ.

قَوْلُهُ: (لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا جُدَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ وَشَرْحُ هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ أَنَّ الْعُذَيْقَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ تَصْغِيرُ عَذْقٍ وَهُوَ النَّخْلَةُ، الْمُرَجَّبُ بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ يُدَعِّمُ النَّخْلَةَ إِذَا كَثُرَ حَمْلُهَا، وَالْجُدَيْلُ بِالتَّصْغِيرِ أَيْضًا وَبِالْجِيمِ، وَالْجَدَلُ عُودٌ يُنْصَبُ لِلْإِبِلِ الْجَرْبَاءِ لِتَحْتَكَّ فِيهِ، وَالْمُحَكَّكُ بِكَافَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ فَأَرَادَ يُسْتَشْفَى بِرَأْيِهِ. وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَامَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ بَدْرِيًّا فَقَالَ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَأنَّا وَاللَّهِ مَا نَنْفَسُ عَلَيْكُمْ هَذَا الْأَمْرَ، وَلَكِنَّا نَخَافُ أَنْ يَلِيَهُ أَقْوَامٌ قَتَلْنَا آبَاءَهُمْ وَإِخْوَتَهُمْ. قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَمُتْ إِنِ اسْتَطَعْتَ. قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ، وَهَذَا الْأَمْرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. قَالَ فَبَايَعَ النَّاسُ وَأَوَّلُهُمْ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ وَالِدُ النُّعْمَانِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَقَامَ خَطِيبُ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْكُمْ قَرَنَهُ بِرَجُلٍ مِنَّا، فَتَبَايَعُوا عَلَى ذَلِكَ. فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَإِنَّمَا الْإِمَامُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ كَمَا كُنَّا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا فَبَايَعُوهُ.

وَوَقَعَ فِي آخِرِ الْمَغَازِي لِمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: وَكُنَّا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ أَوَّلَ النَّاسِ إِسْلَامًا وَنَحْنُ عَشِيرَتُهُ وَأَقَارِبُهُ وَذَوُو رَحِمِهِ، وَلَنْ تَصْلُحَ الْعَرَبُ إِلَّا بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَالنَّاسُ لِقُرَيْشٍ تَبَعٌ، وَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَشُرَكَاؤُنَا فِي دِينِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْنَا، وَأَنْتُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَالتَّسْلِيمِ لِفَضِيلَةِ إِخْوَانِكُمْ، وَأَنْ لَا تَحْسُدُوهُمْ عَلَى خَيْرٍ وَقَالَ فِيهِ: إِنَّ الْأَنْصَارَ قَالُوا أَوَّلًا: نَخْتَارُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَإِذَا مَاتَ اخْتَرْنَا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا مَاتَ اخْتَرْنَا رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَذَلِكَ أَبَدًا فَيَكُونُ أَجْدَرَ أَنْ يُشْفِقَ الْقُرَشِيُّ إِذَا زَاغَ أَنْ يَنْقَضَّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيُّ وَكَذَلِكَ الْأَنْصَارِيُّ. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: لَا وَاللَّهِ لَا يُخَالِفُنَا أَحَدٌ إِلَّا قَتَلْنَاهُ، فَقَامَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَقَالَ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ: وَإِنْ شِئْتُمْ كَرَّرْنَاهَا خُدْعَةً أَيْ أَعَدْنَا الْحَرْبَ. قَالَ: فَكَثُرَ الْقَوْلُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ فَوَثَبَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ - فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ: قُرَيْشٌ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: صَدَقْتَ.

قَوْلُهُ: (هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ) أَيْ قُرَيْشٌ.

قَوْلُهُ: (فَبَايِعُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَأَخَذَ بِيَدِي وَيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا وَقَدِ اسْتُشْكِلَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِأَنَّهُ الْأَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ بِقَرِينَةِ تَقْدِيمِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اسْتَحْيَى أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ فَيَقُولَ مَثَلًا: رَضِيتُ لَكُمْ نَفْسِي، وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ، وَقَدْ أَفْصَحَ عُمَرُ بِذَلِكَ فِي الْقِصَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَ عُمَرَ فِي الْفَضْلِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَيَكْفِي أَبَا بَكْرٍ كَوْنُهُ جَعَلَ الِاخْتِيَارَ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَفِيهِ إِيمَاءٌ