للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عِمْرَانَ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لِأَخِيهِ) هُوَ أُنَيْسٌ.

قَوْلُهُ: (ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي) أَيْ وَادِي مَكَّةَ، وَفِي أَوَّلِ رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ الْمَاضِيَةِ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ؟؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ … وَهَذَا السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَلَقَّاهُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ قِصَّةَ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ، وَفِيهَا مُغَايَرَةٌ كَثِيرَةٌ لِسِيَاقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ وَأَوَّلُ حَدِيثِهِ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، فَذَكَرَ لَنَا ذَلِكَ فَقُلْنَا لَهُ: أَمَّا مَا مَضَى لَنَا مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، فَتَحَمَّلْنَا عَلَيْهِ، وَجَلَسَ يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا نَحْوَ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أَخِي أُنَيْسٌ رَجُلًا إِلَى الْكَاهِنِ، فَخَيَّرَ أُنَيْسًا، فَأَتَانَا بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا، قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثَ سِنِينَ، قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ. قُلْتُ: فَأَيْنَ تُوَجَّهُ؟ قَالَ: حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي. قَالَ: فَقَالَ لِي أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ. فَانْطَلَقَ، ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ. قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ كَاهِنٌ سَاحِرٌ.

وَكَانَ أُنَيْسٌ شَاعِرًا، فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ كَلَامَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَيْهَا، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ. قُلْتُ: وَهَذَا الْفَصْلُ فِي الظَّاهِرُ مُغَايِرٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لِأَخِيهِ: مَا شَفَيْتَنِي، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ كَانَ أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِتَفَاصِيلَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَخْبَارِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ إِلَّا بِمُجْمَلٍ.

قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقَ الْأَخُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَانْطَلَقَ الْآخَرُ؛ أَيْ أُنَيْسٌ، قَالَ عِيَاضٌ: وَقَعَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، فَانْطَلَقَ الْأَخُ الْآخَرُ، وَالصَّوَابُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِأَبِي ذَرٍّ إِلَّا أَخٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أُنَيْسٌ. قُلْتُ: وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ - أَيْ عَنِ الْمُثَنَّى - فَانْطَلَقَ الْآخَرُ حَسْبُ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى قَدِمَهُ) أَيِ الْوَادِي وَادِي مَكَّةَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ: فَانْطَلَقَ الْآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ.

قَوْلُهُ: (رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَكَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَوَافَقَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَقَوْلُهُ: وَكَلَامًا مَنْصُوبٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ، وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُرَى. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا، وَفِيهِ الْوَجْهَانِ: الْإِضْمَارُ أَيْ وَسَقَيْتُهَا، أَوْ ضَمَّنَ الْعَلَفَ مَعْنَى الْإِعْطَاءِ. وَهُنَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: التَّقْدِيرُ رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ كَلَامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ. أَوْ ضَمَّنَ الرُّؤْيَةَ مَعْنَى الْأَخْذِ عَنْهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ قَوْمَهُ يُؤْذُونَ مَنْ يَقْصِدُهُ أَوْ يُؤْذُونَهُ بِسَبَبِ قَصْدِ مَنْ يَقْصِدُهُ، أَوْ لِكَرَاهَتِهِمْ فِي ظُهُورِ أَمْرِهِ لَا يَدُلُّونَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُ عَلَيْهِ، أَوْ يَمْنَعُونَهُ مِنَ الِاجْتِمَاعِ بِهِ، أَوْ يَخْدَعُونَهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (فَرَآهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ). وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ أَبِي ذَرٍّ وَقَعَتْ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، بِحَيْثُ يَتَهَيَّأُ لِعَلِيٍّ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِمُخَاطَبَةِ الْغَرِيبِ وَيُضَيِّفُهُ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي سِنِّ عَلِيٍّ حِينَ الْمَبْعَثِ كَانَ عَشْرَ سِنِينَ، وَقِيلَ: أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، هَذَا الْخَبَرُ يُقَوِّي الْقَوْلَ الصَّحِيحِ فِي سِنِّهِ.

قَوْلُهُ: (فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ) فِي رِوَايَةِ: أَبِي قُتَيْبَةَ: فَقَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ. قُلْتُ: نَعَمْ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ.

قَوْلُهُ: (أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ) أَيْ أَمَا حَانَ، يُقَالُ: نَالَ لَهُ بِمَعْنَى آنَ لَهُ، وَيُرْوَى: أَمَا آنَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَأَنَى بِالْقَصْرِ وَبِفَتْحِ النُّونِ وَكُلُّهَا بِمَعْنًى، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَمَا آنَ لِلرَّحِيلِ مِثْلُهُ وَقَوْلُهُ: أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ أَيْ مَقْصِدَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى دَعَوْتِهِ إِل ى بَيْتِهِ لِضِيَافَتِهِ ثَانِيًا، وَتَكُونُ