للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِضَافَةُ الْمَنْزِلِ إِلَيْهِ مَجَازِيَّةً لِكَوْنِهِ قَدْ نَزَلَ بِهِ مَرَّةً، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ فِي جَوَابِهِ: قُلْتُ: لَا، كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ.

قَوْلُهُ: (يَوْمَ الثَّالِثِ) كَذَا فِيهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: مَسْجِدُ الْجَامِعِ، وَلَيْسَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ.

قَوْلُهُ: (فَعَادَ عَلِيٌّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَغَدَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ: فَقَالَ: فَانْطَلِقْ مَعِي.

قَوْلُهُ: (لَتُرْشِدَنَّنِي) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِنُونَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِوَاحِدَةٍ مُدْغَمَةٍ.

قَوْلُهُ: (فَأَخْبَرْتُهُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِيهِ الْتِفَاتٌ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَخْبَرَهُ عَلَى نَسَقِ مَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ) فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ: (كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي)، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُمَا جَمِيعًا.

قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ) أَيْ يَتْبَعُهُ.

قَوْلُهُ: (وَدَخَلَ مَعَهُ) قَالَ الدَّاوُدِيُّ: فِيهِ الدُّخُولُ بِدُخُولِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَأَنَّ هَذَا قَبْلَ آيَةِ الِاسْتِئْذَانِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ فَقَالَ: لَا تُؤْخَذُ الْأَحْكَامُ مِنْ مِثْلِ هَذَا. قُلْتُ: وَفِي كَلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى.

قَوْلُهُ: (فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ) كَأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ عَلَامَاتِ النَّبِيِّ، فَلَمَّا تَحَقَّقَهَا لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي الْإِسْلَامِ، هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَمُقْتَضَاهَا أَنَّ الْتِقَاءَ أَبِي ذَرٍّ بِالنَّبِيِّ ﷺ كَانَ بِدَلَالَةِ عَلِيٍّ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ لَقِيَ النَّبِيَّ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ فِي الطَّوَافِ بِاللَّيْلِ، قَالَ: فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، قُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. قَالَ: فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِالسَّلَامِ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنَ بَنِي غِفَارٍ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ: كَرِهَ أَنِ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ … فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي شَأْنِ زَمْزَمَ، وَأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ثَلَاثِينَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَفِيهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ، وَأَنَّهُ أَطْعَمَهُ مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ الْحَدِيثُ. وَأَكْثَرُهُ مُغَايِرٌ لِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَقِيَهُ أَوَّلًا مَعَ عَلِيٍّ، ثُمَّ لَقِيَهُ فِي الطَّوَافِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَحَفِظَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْهُ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ، كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ مِنَ الزِّيَادَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا مِنَ الزِّيَادَةِ قِصَّتُهُ مَعَ عَلِيٍّ وَقِصَّتُهُ مَعَ الْعَبَّاسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَكَلُّفٌ شَدِيدٌ، وَلَا سِيَّمَا أَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَقَامَ ثَلَاثِينَ لَا زَادَ لَهُ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ زَادٌ وَقِرْبَةُ مَاءٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّادِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا تَزَوَّدَهُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ قَوْمِهِ فَفَرَغَ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ، وَالْقِرْبَةُ الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ كَانَ فِيهَا الْمَاءُ حَالَ السَّفَرِ، فَلَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى مَلْئِهَا وَلَمْ يرَحْهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ الْمَذْكُورَةِ: فَجَعَلْتُ لَا أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَدِيثُ.

قَوْلُهُ: (ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي) فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ: اكْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِيَ أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ فَذَكَرَ قِصَّةَ إِسْلَامِ أَخِيهِ أُنَيْسٍ وَأُمِّهِ وَأَنَّهُمْ تَوَجَّهُوا إِلَى قَوْمِهِمْ غِفَارٍ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ، الْحَدِيثُ.

قَوْلُهُ: (لَأَصْرُخَنَّ بِهَا) أَيْ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ جِهَارًا بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ بِالْكِتْمَانِ لَيْسَ عَلَى الْإِيجَابِ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، فَأَعْلَمَهُ أَنَّ بِهِ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا أَقَرَّهُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ قَوْلِ الْحَقِّ عِنْدَ مَنْ يُخْشَى مِنْهُ الْأَذِيَّةُ لِمَنْ قَالَ، وَإِنْ كَانَ السُّكُوتُ جَائِزًا، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَاصِدِ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ يَتَرَتِّبُ وُجُودُ الْأَجْرِ وَعَدَمِهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي قُتَيْبَةَ: فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِي بِالْيَاءِ اللَّيِّنَةِ، فَقَامُوا