للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنَ الْمَصْلَحَةِ.

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عُمَرُ) هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ شَيْخُ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي، وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْحَارِثِ كَالْكَلَابَاذِيِّ؛ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ.

قَوْلُهُ: (مَا سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِشَيْءٍ: إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا إِلَّا كَانَ) أَيْ عَنْ شَيْءٍ، وَاللَّامُ قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى عَنْ كَقَوْلِهِ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾

قَوْلُهُ: (إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ) هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِهِ أَنَّهُ كَانَ مُحَدَّثًا بِفَتْحِ الدَّالِ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ.

قَوْلُهُ: (إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ) هُوَ سَوَادٌ - بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ - ابْنُ قَارِبٍ بِالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ سَدُوسِيُّ أَوْ دُوسِيُّ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ السَّدُوسِيُّ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا سَوَادُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ، هَلْ تُحْسِنُ مِنْ كِهَانَتِكَ شَيْئًا. فَذَكَرَ الْقِصَّةَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا عُمَرُ قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ … فَذَكَرَ مِثْلَ سِيَاقِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَتَمَّ مِنْهُ، وَهُمَا طَرِيقَانِ مُرْسَلَانِ يُعَضِّدُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ قَالَ: كُنْتُ نَائِمًا، فَذَكَرَ قِصَّتَهُ الْأُولَى دُونَ قِصَّتِهِ مَعَ عُمَرَ. وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ دَلَّ عَلَى تَأَخُّرِ وَفَاتِهِ، لَكِنَّ عَبَّادًا وَضَعِيفٌ لِابْنِ شَاهِينَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ دَوْسٍ يُقَالُ لَهُ: سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ عَلَى النَّبِيٍّ Object فَذَكَرَ قِصَّتَهُ أَيْضًا، وَهَذِهِ الطُّرُقُ يَقْوَى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى سَأَذْكُرُ مَا فِيهَا مِنْ فَائِدَةٍ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي) فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ، لَقَدْ كُنْتُ ذَا فَرَاسَةٍ، وَلَيْسَ لِي الْآنَ رَأْيٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الرَّجُلُ يَنْظُرُ فِي الْكِهَانَةِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ) بِسُكُونِ الْوَاوِ (عَلَى دِينِ قَوْمِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) (١) أَيْ مُسْتَمِرٌّ عَلَى عِبَادَةِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ) بِسُكُونِ الْوَاوِ أَيْضًا (لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ) أَيْ كَانَ كَاهِنَ قَوْمِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عُمَرَ ظَنَّ شَيْئًا مُتَرَدِّدًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا الظَّنُّ إِمَّا خَطَأٌ أَوْ صَوَابٌ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَهَذَا الْآنَ إِمَّا بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ وَإِمَّا كَانَ كَاهِنًا، وَقَدْ أَظْهَرَ الْحَالُ الْقِسْمَ الْأَخِيرَ، وَكَأَنَّهُ ظَهَرَتْ لَهُ مِنْ صِفَةِ مَشْيِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَرِينَةٌ أَثَّرَتْ لَهُ ذَلِكَ الظَّنَّ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (عَلَيَّ) بِالتَّشْدِيدِ (الرَّجُلَ) بِالنَّصْبِ، أَيْ: أَحْضِرُوهُ إِلَيَّ وَقَرِّبُوهُ مِنِّي.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ: مَا قَالَهُ فِي غَيْبَتِهِ مِنَ التَّرَدُّدِ. وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ لَهُ: فَأَنْتَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كِهَانَتِكَ فَغَضِبَ، وَهَذَا مِنْ تَلَطُّفِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى أَحْسَنِ الْأَمْرَيْنِ.

قَوْلُهُ: (مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ) أَيْ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا مِثْلَ مَا رَأَيْتُ الْيَوْمَ.

قَوْلُهُ: (اسْتُقْبِلَ) بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ.

قَوْلُهُ: (رَجُلٌ مُسْلِمٌ) فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، وَأَبِي ذَرٍّ رَجُلًا مُسْلِمًا وَرَأَيْتُهُ مُجَوَّدًا بِفَتْحِ تَاءِ اسْتَقْبَلَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَحَدٌ، وَضَبَطَهُ الْكَرْمَانِيُّ اسْتُقْبِلَ بِضَمِّ التَّاءِ وَأَعْرَبَ رَجُلًا مُسْلِمًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ رَأَيْتُ، وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: بِهِ يَعُودُ عَلَى الْكَلَامِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَبَيَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ: قَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، فَمَا لَنَا وَلِذِكْرِ الْجَاهِلِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ) أَيْ أُلْزِمُكَ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنٍ كَعْبٍ: مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ مِمَّا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ كِهَانَتِكَ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا أَخْبَرْتَنِي) أَيْ مَا أَطْلُبُ مِنْكَ إِلَّا الْإِخْبَارَ.

قَوْلُهُ: (كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) الْكَاهِنُ الَّذِي يَتَعَاطَى الْخَبَرَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَثِيرًا، فَمُعْظَمُهُمْ كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى تَابِعِهِ مِنَ الْجِنِّ، وَبَعْضُهُمْ كَانَ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ ذَلِكَ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى


(١) الذي في المتن "على دينه في الجاهلية