للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ لَمَّا شَمَسَ وَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَقَالَ: أَمَا تَسْتَحِي؟ فَذَكَرَ نَحْوَهُ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرْ أَنَسًا. وَفِي رِوَايَةِ وَثِيمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَارْتَعَشَتْ حَتَّى لَصِقَتْ بِالْأَرْضِ، فَاسْتَوَيْتُ عَلَيْهَا.

وِلِلنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ مَوْصُولًا، وَزَادَ: وَكَانَتْ تُسَخَّرُ لِلْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، وَنَحْوَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْبُرَاقَ كَانَ مُعَدًّا لِرُكُوبِ الْأَنْبِيَاءِ، خِلَافًا لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ كَابْنِ دِحْيَةَ، وَأَوَّلَ قَوْلِ جِبْرِيلَ: فَمَا رَكِبَكَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ؛ أَيْ: مَا رَكِبَكَ أَحَدٌ قَطُّ فَكَيْفَ يَرْكَبُكَ أَكْرَمُ مِنْهُ، وَقَدْ جَزَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ الْبُرَاقَ إِنَّمَا اسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ لِبُعْدِ عَهْدِهِ بِرُكُوبِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الزُّبَيْدِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِيِّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ: كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يَرْكَبُونَ الْبُرَاقَ. قَالَ: وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ. قُلْتُ: قَدْ ذَكَرْتُ النَّقْلَ بِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ.

وَوَقَعَ فِي الْمُبْتَدَأِ لِابْنِ إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَةِ وَثِيمَةَ فِي ذِكْرِ الْإِسْرَاءِ: فَاسْتَصْعَبَتِ الْبُرَاقُ، وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْكَبُهَا قَبْلِي وَكَانَتْ بَعِيدَةَ الْعَهْدِ بِرُكُوبِهِمْ لَمْ تَكُنْ رُكِبَتْ فِي الْفَتْرَةِ، وَفِي مَغَازِي ابْنِ عَائِذٍ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْبُرَاقُ هِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي كَانَ يَزُورُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهَا إِسْمَاعِيلَ، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ بِالْبُرَاقِ فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى، وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ: أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، فَرَكِبْتُ خَلْفَ جِبْرِيلَ. وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ: فَمَا زَايَلَا ظَهْرَ الْبُرَاقِ. وَفِي كِتَابِ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ، وَالْأَزْرَقِيِّ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَحُجُّ عَلَى الْبُرَاقِ، وَفِي أَوَائِلِ الرَّوْضِ لِلسُّهَيْلِيِّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَمَلَ هَاجَرَ عَلَى الْبُرَاقِ لَمَّا سَارَ إِلَى مَكَّةَ بِهَا وَبِوَلَدِهَا، فَهَذِهِ آثَارٌ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَجَاءَتْ آثَارٌ أُخْرَى تَشْهَدُ لِذَلِكَ لَمْ أَرَ الْإِطَالَةَ بِإِيرَادِهَا.

وَمِنَ الْأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ فِي صِفَةِ الْبُرَاقِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، عَنْ مُقَاتِلٍ، وَأَوْرَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ، وَمِنْ قَبْلِهِ الثَّعْلَبِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَوْتُ وَالْحَيَاةُ جِسْمَانِ، فَالْمَوْتُ كَبْشٌ لَا يَجِدُ رِيحَهُ شَيْءٌ إِلَّا مَاتَ، وَالْحَيَاةُ فَرَسٌ بَلْقَاءُ أُنْثَى، وَهِيَ الَّتِي كَانَ جِبْرِيلُ وَالْأَنْبِيَاءُ يَرْكَبُونَهَا لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ وَلَا يَجِدُ رِيحَهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ. وَمِنْهَا أَنَّ الْبُرَاقَ لَمَّا عَاتَبَهُ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ مُعْتَذِرًا: إِنَّهُ مَسَّ الصَّفْرَاءَ الْيَوْمَ، وَإنَّ الصَّفْرَاءَ صَنَمٌ مِنْ ذَهَبٍ كَانَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِهِ فَقَالَ: تَبًّا لِمَنْ يَعْبُدُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَإِنَّهُ ﷺ نَهَى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَنْ يَمَسَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَسَرَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: إِنَّمَا اسْتَصْعَبَ الْبُرَاقُ تِيهًا وَزَهْوًا بِرُكُوبِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَيْهِ، وَأَرَادَ جِبْرِيلُ اسْتِنْطَاقَهُ فَلِذَلِكَ خَجِلَ وَارْفَضَّ عَرَقًا مِنْ ذَلِكَ. وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ رَجْفَةُ الْجَبَلِ بِهِ حَتَّى قَالَ لَهُ: اثْبُتْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدٌ، فَإِنَّهَا هَزَّةُ الطَّرِبِ لَا هَزَّةَ الْغَضَبِ.

وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْبُرَاقِ فَلَمْ يُزَايِلْ ظَهْرَهُ هُوَ وَجِبْرِيلُ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَهَذَا لَمْ يُسْنِدْهُ حُذَيْفَةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ عَنِ اجْتِهَادٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: هُوَ وَجِبْرِيلُ يَتَعَلَّقُ بِمُرَافَقَتِهِ فِي السَّيْرِ لَا فِي الرُّكُوبِ، قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ وَغَيْرُهُ: مَعْنَاهُ: وَجِبْرِيلُ قَائِدٌ أَوْ سَائِقٌ أَوْ دَلِيلٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا جَزَمْنَا بِذَلِكَ لِأَنَّ قِصَّةَ الْمِعْرَاجِ كَانَتْ كَرَامَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ فَلَا مَدْخَلَ لِغَيْرِهِ فِيهَا. قُلْتُ: وَيَرُدُّ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ أَنَّ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ جِبْرِيلَ حَمَلَهُ عَلَى الْبُرَاقِ رَدِيفًا لَهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ فِي مُسْنَدِهِ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ، فَرَكِبَ خَلْفَ جِبْرِيلَ فَسَارَ بِهِمَا، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي رُكُوبِهِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْمِعْرَاجَ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ ﷺ عَلَى ظَهْرِ الْبُرَاقِ إِلَى أَنْ صَعِدَ السَّمَاوَاتِ كُلَّهَا وَوَصَلَ إِلَى مَا وَصَلَ وَرَجَعَ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَأَذْكُرُهُ، وَلَعَلَّ حُذَيْفَةَ إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى مَا وَقَعَ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا مِعْرَاجٌ