للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هَذِهِ الْغَزْوَةِ مَعَ مَزِيدِ فَوَائِدَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَنَقَلَ السُّهَيْلِيُّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ فِي فَضْلِ الْمَدِينةِ أَنَّ قَبْرَ هَارُونَ بِأُحُدٍ، وَأَنَّهُ قَدِمَ مَعَ مُوسَى فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حُجَّاجًا فَمَاتَ هُنَاكَ. قُلْتُ: وَسَنَدُ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ جِدًّا مِنْ جِهَةِ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ، وَمُنْقَطِعٌ أَيْضًا وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ. وَكَانَتْ عِنْدَهُ الْوَقْعَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ بِاتِّفَاقِ الْجُمْهُورِ، وَشَذَّ مَنْ قَالَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ، وَقِيلَ: لِسَبْعِ لَيَالٍ، وَقِيلَ: لِثَمَانٍ، وَقِيلَ: لِتِسْعٍ، وَقِيلَ: فِي نِصْفِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَةٍ، وَفِيهِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ بَدْرًا كَانَتْ فِي رَمَضَانَ بِاتِّفَاقٍ فَهِيَ بَعْدَهَا بِسَنَةٍ وَشَهْرٍ لَمْ يَكْمُلْ، وَلِهَذَا قَالَ مَرَّةً أُخْرَى: كَانَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِأَحَدٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا.

وَكَانَ السَّبَبُ فِيهَا مَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ شُيُوخِهِ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالُوا: وَهَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ كُلِّهَا قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ قُرَيْشٌ اسْتَجْلَبُوا مَنِ اسْتَطَاعُوا مِنَ الْعَرَبِ وَسَارَ بِهِمْ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى نَزَلُوا بِبَطْنِ الْوَادِي مِنْ قِبَلِ أُحُدٍ. وَكَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسِفُوا عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ مَشْهَدِ بَدْرٍ وَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ رُؤْيَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ فِي مَنَامِي بَقَرًا تُذْبَحُ، وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى، وَرَأَيْتُ سَيْفِي ذَا الْفَقَارِ انْقَصَمَ مِنْ عِنْدِ ظُبَّتِهِ - أَوْ قَالَ: بِهِ فُلُولٌ - فَكَرِهْتُهُ وَهُمَا مُصِيبَتَانِ، وَرَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَأَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا. قَالُوا: وَمَا أَوَّلْتَهَا؟ قَالَ: أَوَّلْتُ الْبَقَرَ بَقْرًا يَكُونُ فِينَا، وَأَوَّلْتُ الْكَبْشَ كَبْشُ الْكَتِيبَةِ، وَأَوَّلْتُ الدِّرْعَ الْحَصِينَةَ الْمَدِينَةَ، فَامْكُثُوا، فَإِنْ دَخَلَ الْقَوْمُ الْأَزِقَّةَ قَاتَلْنَاهُمْ وَرُمُوا مِنْ فَوْقِ الْبُيُوتِ. فَقَالَ أُولَئِكَ الْقَوْمُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُنَّا نَتَمَنَّى هَذَا الْيَوْمَ، وَأَبَى كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا الْخُرُوجَ، فَلَمَّا صَلَّى الْجُمُعَةَ وَانْصَرَفَ دَعَا بِاللَّأْمَةِ فَلَبِسَهَا، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْخُرُوجِ، فَنَدِمَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ امْكُثْ كَمَا أَمَرْتَنَا.

فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا أَخَذَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُقَاتِلَ، نَزَلَ فَخَرَجَ بِهِمْ وَهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ حَتَّى نَزَلَ بِأُحُدٍ، وَرَجَعَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ فَبَقِيَ فِي سَبْعِمِائَةٍ، فَلَمَّا رَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ سَقَطَ فِي أَيْدِي طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمَا بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلَمَةَ، وَصَفَّ الْمُسْلِمُونَ بِأَصْلِ أُحُدٍ، وَصَفَّ الْمُشْرِكُونَ بِالسَّبْخَةِ، وَتَعَبُّوا لِلْقِتَالِ، وَعَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ - وَهِيَ مِائَةُ فَرَسٍ - خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَلَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَرَسٌ وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ طَلْحَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَأَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ عَلَى الرُّمَاةِ وَهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا وَعَهِدَ إِلَيْهِمْ أَنْ لَا يَتْرُكُوا مَنَازِلَهُمْ، وَكَانَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُسْلِمِينَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَبَارَزَ طَلْحَةَ بْنَ عُثْمَانَ فَقَتَلَهُ، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ حَتَّى أَجْهَضُوهُمْ عَنْ أَثْقَالِهِمْ، وَحَمَلَتْ خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ فَنَضَحَتْهُمُ الرُّمَاةُ بِالنَّبْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ فَانْتَهَبُوهُمْ، فَرَأَى ذَلِكَ الرُّمَاةُ فَتَرَكُوا مَكَانَهُمْ، وَدَخَلَ الْعَسْكَرُ، فَأَبْصَرَ ذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَمَنْ مَعَهُ، فَحَمَلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْخَيْلِ فَمَزَّقُوهُمْ، وَصَرَخَ صَارِخٌ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ أُخْرَاكُمْ، فَعَطَفَ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، وَانْهَزَمَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَى جِهَةِ الْمَدِينَةِ وَتَفَرَّقَ سَائِرُهُمْ وَوَقَعَ فِيهِمُ الْقَتْلُ ; وَثَبَتَ نَبِيُّ اللَّهِ حِينَ انْكَشَفُوا عَنْهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ، حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ

بَعْضُهُمْ وَهُوَ عِنْدَ الْمِهْرَاسِ فِي الشِّعْبِ، وَتَوَجَّهَ النَّبِيُّ يَلْتَمِسُ أَصْحَابَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فَرَمُوا وَجْهَهُ فَأَدْمَوْهُ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ، فَمَرَّ مُصْعِدًا فِي الشِّعْبِ وَمَعَهُ طائفة طَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَقِيلَ: مَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْهُمْ سَهْلُ بْنُ بَيْضَاءَ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصِّمَّةِ، وَشُغِلَ الْمُشْرِكُونَ بِقَتْلَى الْمُسْلِمِينَ يُمَثِّلُونَ بِهِمْ، يَقْطَعُونَ الْآذَانَ وَالْأُنُوفَ وَالْفُرُوجَ وَيَبْقُرُونَ الْبُطُونَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ أَصَابُوا النَّبِيَّ وَأَشْرَافَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَفْتَخِرُ بِآلِهَتِهِ: اعْلُ هُبَلْ. فَنَادَاهُ عُمَرُ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ. وَرَجَعَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى أَثْقَالِهِمْ،