للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ طَلَبَ الْمُوسَى مِنْ كُلٍّ مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ، وَكَانَ الَّذِي أَوْصَلَهُ إِلَيْهِ ابْنُ إِحْدَاهُمَا، وَأَمَّا الِابْنُ الَّذِي خَشِيَتْ عَلَيْهِ، فَفِي رِوَايَةِ هَذَا الْبَابِ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ فَهَذَا الَّذِي أَحْضَرَ إِلَيْهِ الْحَدِيدَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ، وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ) الْقِطْفُ بِكَسْرِ الْقَافِ الْعُنْقُودُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ كَمَا تَقَدَّمَ: وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَقِطْفًا مِنْ عِنَبٍ مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ.

قَوْلُهُ: (وَمَا كَانَ إِلَّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، وَثَابِتٍ: تَقُولُ: إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَعَلَهُ آيَةً عَلَى الْكُفَّارِ وَبُرْهَانًا لِنَبِيِّهِ لِتَصْحِيحِ رِسَالَتِهِ قَالَ: فَأَمَّا مَنْ يَدَّعِي وُقُوعَ ذَلِكَ لَهُ الْيَوْمَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ إِذِ الْمُسْلِمُونَ قَدْ دَخَلُوا فِي الدِّينِ وَأَيْقَنُوا بِالنُّبُوَّةِ، فَأَيُّ مَعْنًى لِإِظْهَارِ الْآيَةِ عِنْدَهُمْ؟ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ جَاهِلٌ: إِذَا جَازَ ظُهُورُ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى يَدِ غَيْرِ نَبِيٍّ فَكَيْفَ نُصَدِّقُهَا مِنْ نَبِيٍّ وَالْفَرْضُ أَنَّ غَيْرَهُ يَأْتِي بِهَا لَكَانَ فِي إِنْكَارِ ذَلِكَ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ، إِلَى أَنْ قَالَ: إِلَّا أَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْرِقُ عَادَةً وَلَا يَقْلِبُ عَيْنًا، مِثْلَ أَنْ يُكَرِمَ اللَّهُ عَبْدًا بِإِجَابَةِ دَعْوَةٍ فِي الْحِينِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ فِيهِ فَضْلُ الْفَاضِلِ وَكَرَامَةُ الْوَلِيِّ، وَمِنْ ذَلِكَ حِمَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَاصِمًا لِئَلَّا يَنْتَهِكَ عَدُوُّهُ حُرْمَتَهُ. انْتَهَى.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ بَطَّالٍ تَوَسَّطَ بَيْنَ مَنْ يُثْبِتُ الْكَرَامَةَ وَمَنْ يَنْفِيهَا، فَجَعَلَ الَّذِي يُثْبِتُ مَا قَدْ تَجْرِي بِهِ الْعَادَةُ لِآحَادِ النَّاسِ أَحْيَانًا، وَالْمُمْتَنِعُ مَا يَقْلِبُ الْأَعْيَانَ مَثَلًا، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إِثْبَاتُ الْكَرَامَاتِ مُطْلَقًا، لَكِنِ اسْتَثْنَى بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ كَأَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ مَا وَقَعَ بِهِ التَّحَدِّي لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ: وَلَا يَصِلُونَ إِلَى مِثْلِ إِيجَادِ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ فِي الْحَالِ وَتَكْثِيرَ الطَّعَامِ وَالْمَاءِ وَالْمُكَشَفَةِ بِمَا يَغِيبُ عَنِ الْعَيْنِ وَالْإِخْبَارُ بِمَا سَيَأْتِي وَنَحْوَ ذَلِكَ قَدْ كَثُرَ جِدًّا حَتَّى صَارَ وُقُوعُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الصَّلَاحِ كَالْعَادَةِ، فَانْحَصَرَ الْخَارِقُ الْآنَ فِيمَا قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ، وَتَعَيَّنَ تَقْيِيدُ قَوْلِ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ كُلَّ مُعْجِزَةٍ وُجِدَتْ لِنَبِيٍّ يَجُوزُ أَنْ تَقَعَ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ، وَوَرَاءَ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَنَّ خَرْقَ الْعَادَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ غَلَطٌ مِمَّنْ يَقُولُهُ، فَإِنَّ الْخَارِقَ قَدْ يَظْهَرُ عَلَى يَدِ الْمُبْطِلِ مِنْ سَاحِرٍ وَكَاهِنٍ وَرَاهِبٍ، فَيَحْتَاجُ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى وِلَايَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى فَارِقٍ، وَأَوْلَى مَا ذَكَرُوهُ أَنْ يُخْتَبَرَ حَالُ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِالْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ وَالنَّوَاهِي كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةَ وِلَايَتِهِ وَمَنْ لَا فَلَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ) بَيَّنَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ إِلَى التَّنْعِيمِ.

قَوْلُهُ: (دَعُونِي أُصَلِّ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَلِغَيْرِهِ بِثُبُوتِ الْيَاءِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ، وَلِمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي مَوْضِعِ مَسْجِدِ التَّنْعِيمِ.

قَوْلُهُ: (لَزِدْتُ) فِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ: لَزِدْتُ سَجْدَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا)، زَادَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا أَيْ مُتَفَرِّقِينَ، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ: فَقَالَ خُبَيْبٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَجِدُ مَنْ يُبَلِّغُ رَسُولَكَ مِنِّي السَّلَامَ فَبَلِّغْهُ، وَفِيهِ: فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الْخَشَبَةِ اسْتَقْبَلَ الدُّعَاءَ قَالَ: فَلَبَدَ رَجُلٌ بِالْأَرْضِ خَوْفًا مِنْ دُعَائِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا قَالَ: فَلَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ وَمِنْهُمْ أَحَدٌ حَيٌّ غَيْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي لَبَدَ بِالْأَرْضِ. وَحَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي فَجَعَلَ يُلْقِينِي إِلَى الْأَرْضِ حِينَ سَمِعَ دَعْوَةَ خُبَيْبٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ: مِمَّنْ حَضَرَ ذَلِكَ أَبُو إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، وَالْأَخْنَسُ بْنُ شُرَيْقٍ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ حَكِيمٍ السُّلَمِيُّ، وَأُمَيَّةُ بْنُ