للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَا أَفَاضَتْ فَقَالَ: فَلْتَنْفِرْ إِذًا وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا إِذًا وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَغَيْرُهُ فِي سُؤَالِهِ عَنْ أَحَبِّ النَّاسِ فَقَالَ: عَائِشَةُ.

فَقَالَ: لَمْ أَعْنِ النِّسَاءَ؟ قَالَ: فَأَبُوهَا إِذًا وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَقَالَ: بَلْ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورُ. قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ قَالَ: لَقِيتُ لِيطَةَ بْنَ الْفَرَزْدَقِ فَقُلْتُ: أَسَمِعْتَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِيكَ؟ قَالَ: أَيْ هَا اللَّهِ إِذًا، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُهُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ.

وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي فَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي فَلَمْ أَرْضَ كَمَالَهَا، أَفَلَا أَعُودُ لَهَا؟ قَالَ: بَلَى هَا اللَّهِ إِذًا وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَقْدِيرِ الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ تَقَرَّرَ أَنَّ إِذًا حَرْفُ جَوَابٍ وَجَزَاءٍ أَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ: إِذًا وَاللَّهِ أَقُولُ لَكَ: نَعَمْ، وَكَذَا فِي النَّفْيِ كَأَنَّهُ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: إِذًا وَاللَّهِ لَا نُعْطِيكَ، إِذًا وَاللَّهِ لَا أَشْتَرِطُ، إِذًا وَاللَّهِ لَا أَلْبَث، وَأَخَّرَ حَرْفَ الْجَوَابِ فِي الْأَمْثِلَةِ كُلِّهَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ فَلَا يُؤْتَوْنَ النَّاسَ إِذًا، وَجَعَلَ ذَلِكَ جَوَابًا عَنْ عَدَمِ النَّصِيبِ بِهَا، مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ مُسْتَقْبَلٌ وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي الْمُغِيثِ لَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلَّا قَلِيلًا إِذًا قِيلَ: هُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْحُرُوفِ النَّاصِبَةِ وَقِيلَ: أَصْلُهُ إِذًا الَّذِي هُوَ مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا نُوِّنَ لِلْفَرْقِ وَمَعْنَاهُ حِينَئِذٍ أَيْ إِنْ أَخْرَجُوكَ مِنْ مَكَّةَ، فَحِينَئِذٍ لَا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلَّا قَلِيلًا. وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ أَمْكَنَ حَمْلُ مَا وَرَدَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ. ثُمَّ أَرَادَ بَيَانَ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَعْمِدُ إِلَخْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنَّمَا أَطَلْتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّنِي مُنْذُ طَلَبْتُ الْحَدِيثَ وَوَقَفْتُ عَلَى كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَقَعَتْ عِنْدِي مِنْهُ نَفْرَةٌ لِلْإِقْدَامِ عَلَى تَخْطِئَةِ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ، خُصُوصًا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَمَا زِلْتُ أَتَطَلَّبُ الْمُخَلِّصَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ ظَفِرْتُ بِمَا ذَكَرْتُهُ، فَرَأَيْتُ إِثْبَاتَهُ كُلَّهُ هُنَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

قَوْلُهُ: (لَا يَعْمِدُ إِلَخْ) أَيْ لَا يَقْصِدُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى رَجُلٍ كَأَنَّهُ أَسَدٌ فِي الشَّجَاعَةِ يُقَاتِلُ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ وَيُعْطِيكَهُ بِغَيْرِ طِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ، هَكَذَا ضُبِطَ لِلْأَكْثَرِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ فِيهِ وَفِي يُعْطِيكَ، وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِالنُّونِ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: (فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ) أَيْ سَلَبَ قَتِيلِهِ فَأَضَافَهُ إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ.

(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ الَّذِي خَاطَبَ النَّبِيَّ بِذَلِكَ عُمَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ أنَّ هَوَازِنَ جَاءَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ: فَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَضْرِبْ بِسَيْفٍ وَلَمْ يَطْعَنْ بِرُمْحٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ: مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَاجلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ. وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: إِنِّي ضَرَبْتُ رَجُلًا عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ فَأَعْجَلْتُ عَنْهُ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَخَذْتُهَا فَأَرْضِهِ مِنْهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ أَوْ سَكَتَ، فَسَكَتَ. فَقَالَ عُمَرُ. وَاللَّهِ لَا يَفِيئُهَا اللَّهُ عَلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِهِ وَيُعْطِيكَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ : صَدَقَ عُمَرُ وَهَذَا الْإِسْنَادُ قَدْ أَخْرَجَ بِهِ مُسْلِمٌ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ كَمَا رَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ فَهُوَ أَتْقَنُ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَيْضًا قَالَ ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (صَدَقَ) أَيِ الْقَائِلُ: (فَأَعْطِهِ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ لِلَّذِي اعْتَرَفَ بِأَنَّ السَّلَبَ عِنْدَهُ.

قَوْلُهُ: (فَابْتَعْتُ بِهِ) ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وَأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ سَبْعَ أَوَاقٍ.

قَوْلُهُ: (مَخْرَفًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الرَّاءِ أَيْ بُسْتَانًا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُخْتَرَفُ مِنْهُ التَّمْرُ أَيْ يُجْتَنَى، وَأَمَّا بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهُوَ اسْمُ الْآلَةِ الَّتِي يُخْتَرَفُ بِهَا، وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا خِرَافًا وَهُوَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَهُوَ التَّمْرُ الَّذِي يُخْتَرَفُ أَيْ يُجْتَنَى، وَأَطْلَقَهُ عَلَى الْبُسْتَانِ مَجَازًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: بُسْتَانُ خِرَافٍ. وَذَكَرَ