للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التِّرْسَةُ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْعَنْبَرَ الْمَشْمُومَ رَجِيعُ هَذِهِ الدَّابَّةِ. وَقَالَ ابْنُ سَيْنَاءَ: بَلِ الْمَشْمُومُ يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَجْوَافِ السَّمَكِ الَّذِي يَبْتَلِعُهُ. وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: رَأَيْتُ الْعَنْبَرَ نَابِتًا فِي الْبَحْرِ مُلْتَوِيًا مِثْلَ عُنُقِ الشَّاةِ، وَفِي الْبَحْرِ دَابَّةٌ تَأْكُلُهُ وَهُوَ سُمٌّ لَهَا فَيَقْتُلُهَا فَيَقْذِفُهَا، فَيَخْرُجُ الْعَنْبَرُ مِنْ بَطْنِهَا. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْعَنْبَرُ سَمَكَةٌ تَكُونُ بِالْبَحْرِ الْأَعْظَمِ، يَبْلُغُ طُولُهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا يُقَالُ لَهَا بَالَةٌ، وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ: قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

فَبِتْنَا كَأَنَّ الْعَنْبَرَ الْوَرْدُ بَيْنَنَا … وَبَالَةُ بَحْرٍ فَاؤُهَا قَدْ تَخَرَّمَا

أَيْ قَدْ تَشَقَّقَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرٍو بْنِ دِينَارٍ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ مَيْتَةِ السَّمَكِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (فَأَكَلَ مِنْهُ الْقَوْمُ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً) فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ (فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شَهْرًا وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ الَّذِي قَالَ: ثَمَانَ عَشْرَةَ ضَبَطَ مَا لَمْ يَضْبِطْهُ غَيْرُهُ، وَأَنَّ مَنْ قَالَ: نِصْفَ شَهْرٍ أَلْغَى الْكَسْرَ الزَّائِدَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَنْ قَالَ شَهْرًا جَبَرَ الْكَسْرَ أَوْ ضَمَّ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ وِجْدَانِهِمُ الْحُوتَ إِلَيْهَا، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ رِوَايَةَ أَبِي الزُّبَيْرِ لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمٌ. انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا وَهِيَ شَاذَّةٌ، وَأَشَدُّ مِنْهَا شُذُوذًا رِوَايَةُ الْخَوْلَانِيِّ فَأَقَمْنَا قَبْلَهَا ثَلَاثًا وَلَعَلَّ الْجَمْعَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: (حَتَّى ثَابَتْ) بِمُثَلَّثَةٍ أَيْ رَجَعَتْ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ هُزَالٌ مِنَ الْجُوعِ السَّابِقِ.

قَوْلُهُ: (وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيْ شَحْمِهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ، وَنَقْطَعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ. وَالْوَقْبُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْقَافِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ هِيَ النُّقْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْحَدَقَةُ، وَالْفِدَرُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ جَمْعُ فَدْرَةٍ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْخَوْلَانِيِّ فَحَمَلْنَا مَا شِئْنَا مِنْ قَدِيدٍ وَوَدَكٍ فِي الْأَسْقِيَةِ وَالْغَرَائِز.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلْعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَا) كَذَا فِيهِ، وَاسْتُشْكِلَ لِأَنَّ الضِّلْعَ مُؤَنَّثَةٌ، وَيُجَابُ بِأَنَّ تَأْنِيثَهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، فَيَجُوزُ فِيهِ التَّذْكِيرُ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَعَمَدَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ مَعَهُ فَمَرَّ تَحْتَهُ وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ ثُمَّ أَمْرَ بِأَجْسَمِ بَعِيرٍ مَعَنَا فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَجْسَمَ رَجُلٍ مِنَّا فَخَرَجَ مِنْ تَحْتِهِمَا وَمَا مَسَّتْ رَأْسَهُ وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَأَظُنُّهُ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَإِنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ كَمَا سَتَرَاهُ بَعْدُ، وَكَانَ مَشْهُورًا بِالطُّولِ، وَقِصَّتُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَلِكُ الرُّومِ بِالسَّرَاوِيلِ مَعْرُوفَةٌ، فَذَكَرَهَا الْمُعَافِيُّ الْحَرِيرِيُّ فِي الْجَلِيسِ، وَأَبُو الْفَرْجِ الْأَصْبِهَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَمُحَصِّلُهَا أَنَّ أَطْوَلَ رَجُلٍ مِنَ الرُّومِ نَزَعَ لَهُ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ سَرَاوِيلَهُ فَكَانَ طُولُ قَامَةِ الرُّومِيِّ بِحَيْثُ كَانَ طَرَفُهَا عَلَى أَنْفِهِ وَطَرَفُهَا بِالْأَرْضِ، وَعُوتِبَ قَيْسٌ فِي نَزْعِ سَرَاوِيلِهِ فِي الْمَجْلِسِ فَأَنْشَدَ:

أَرَدْتُ لِكَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسَ أَنَّهَا … سَرَاوِيلُ قَيْسٍ وَالْوُفُودُ شُهُودُ

وَأَنْ لَا يَقُولُوا غَابَ قَيْسٌ وَهَذِهِ … سَرَاوِيلُ عَادِيٍّ نَمَتْهُ ثَمُودُ

وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ وَالْوَقْبُ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَهُوَ حُفْرَةُ الْعَيْنِ فِي عَظْمِ الْوَجْهِ، وَأَصْلُهُ نُقْرَةٌ فِي الصَّخْرَةِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ، وَالْجَمْعُ: وِقَابٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَوَقَعَ فِي آخِرِ